-
رد: الادب الكبير
تظهر للناس أنك تريد أن يعلموا أنك تعلم مثل الذي يعلم.
وما عليك أن تهنئه بذلك, وتفرده به.
وهذا الباب من أبواب البخل, وأبوابه الغامضة كثيرة.
إذا كنت في قوم ليسوا بلغاء, ولا فصحاء، فدعِ التطاول عليهم بالبلاغة والفصاحة.
واعلم أن بعض شدة الحذر عون عليك في ما تحذر.
وإن بعض شدة الاتقاء مما يدعو إليك ما تتقي.
واعلم أن الناس يخدعون أنفسهم بالتعريض, والتوقيع1 بالرجال في التماس مثالبهم, ومساويهم, ونقيصتهم. وكل ذلك أبين عند سامعيه من وضح الصبح, فلا تكونن من ذلك في غرور, ولا تجعلن نفسك من أهله.
اعلم أن من تنكب2 الأمور ما يسمى حذرًا, ومنه ما يسمى خورًا3, فإن استطعت أن يكون حبنك من الأمر قبل مواقعتك4 إياه, فافعل. فإن هذا الحذر, ولا تنغمس فيه ثم تتهيبه, فإن هذا هو الخور, فإن الحكيم لا يخوض نهرًا حتى يعلم مقدار غوره.
قد رأينا من سوء المجالسة أن الرجل تثقل عليه النعمة براها بصاحبه، فيكون ما يشتفي بصاحبه، في تصغير أمره وتكدير
__________
1 التوقيع: التظني, والتوهم.
2 التنكب: التباعد.
3 الخور: الضعف.
4 مواقعتك: مداناتك, ومباشرتك.
-
رد: الادب الكبير
النعمة عليه، أن يذكر الزوال والفناء والدول، كأنه واعظ وقاصٌّ, فلا يخفى ذلك على من يعنى به, ولا غيره, ولا ينزل قوله بمنزلة الموعظة والإبلاغ، ولكن بمنزلة الضجر من النعمة، إذا رآها لغيره، والاغتمام بها, والاستراحة إلى غير روح.
وإني مخبرك عن صاحب لي كان من أعظم الناس في عيني، وكان رأس ما أعظمه في عيني صغر الدنيا في عينه: كان خارجًا من سلطان بطنه، فلا يشتهى ما لا يجد، ولا يكثر إذا وجد.
وكان خارجا من سلطان فرجه، فلا يدعو إليه ريبة، ولا يستخف له رأيًا, ولا بدنًا, وكان خارجًا من سلطان لسانه، فلا يقول ما لا يعلم، ولا ينازع في ما يعلم, وكان خارجًا من سلطان الجهالة، فلا يقدم أبدًا إلا على ثقة بمنففة.
كان أكثر دهره صامتًا, فإذا نطق بَذَّ1 الناطقين.
كان يرى متضاعفًا مستضعفًا، فإذا جاء الجد فهو الليث عاديًا2.
كان لا يدخل في دعوى، ولا يشترك في مراء، ولا يدلي بحجة3 حتى يرى قاضيًا عدلًا, وشهودًا عدولًا.
وكان لا يلوم أحدًا على ما قد يكون العذر في مثله, حتى يعلم ما اعتذاره.
__________
1 بذَّ القوم: غلبهم, وفاقهم.
2 عاديًا: واثبًا.
3 أدلى بحجته: أحضرها على صحة, وأثبتها.
-
رد: الادب الكبير
وكان لا يشكو وجعًا إلا إلى من يرجو عنده البرء,
وكان لا يستشير صاحبًا إلا من يرجو عنده النصيحة,
وكان لا يتبرم1، ولا يتسخط، ولا يتشهى، ولا يشتكى,
وكان لا ينقم على الولي2، ولا يغفل عن العدو، ولا يخص نفسه دون إخوانه بشيء من اهتمامه, وحيلته, وقوته.
فعليك بهذه الأخلاق إن أطقت، ولن تطيق، ولكن أخذ القليل خير من ترك الجميع.
واعلم أن خير طبقات أهل الدنيا طبقة أصفها لك: من لم ترتفع عن الوضيع, ولم تتضع عن الرفيع.
__________
1 يتبرم: يتضجر.
2 الولي: المحب والصديق.
-
رد: الادب الكبير
معلومات الموضوع
الأعضاء الذين يشاهدون هذا الموضوع
الذين يشاهدون الموضوع الآن: 1 (0 من الأعضاء و 1 زائر)
المواضيع المتشابهه
-
بواسطة عامر العمار في المنتدى منتدى الكتب الادبية المقروءة
مشاركات: 43
آخر مشاركة: 08-21-2017, 12:21 AM
-
بواسطة عامر العمار في المنتدى منتدى الكتب الدينية المقروءة
مشاركات: 14
آخر مشاركة: 01-28-2016, 08:11 AM
-
بواسطة شهرزاد في المنتدى منتدى الأسرة والطفل
مشاركات: 0
آخر مشاركة: 12-20-2015, 10:05 PM
-
بواسطة الكربلائي في المنتدى منتدى اخر مواضيع شبكة عراق الخير
مشاركات: 0
آخر مشاركة: 11-02-2015, 05:12 PM
-
بواسطة عامر العمار في المنتدى مكتبة الادب والثقافة وعلوم اللغة والتربية
مشاركات: 1
آخر مشاركة: 04-14-2013, 05:28 PM
الكلمات الدلالية لهذا الموضوع
ضوابط المشاركة
- لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
- لا تستطيع الرد على المواضيع
- لا تستطيع إرفاق ملفات
- لا تستطيع تعديل مشاركاتك
-
قوانين المنتدى
جميع آلمشآركآت آلمكتوبه تعبّر عن وجهة نظر صآحبهآ ,, ولا تعبّر بأي شكل من الاشكال عن وجهة نظر إدآرة آلمنتدى
المفضلات