((الحلقة الرابعة عشر ))








من المواقف الطريفة للمرحوم نوري السعيد
أن خلافا حصل بين السيد صدر الدين شرف الدين والصحفي طه فياض .
وأساس المشكلة التي حدثت أن السيد صدر الدين له مؤلفين نالا شهرة واسعة
وهما كتاب ( محنة العراق ) وكتاب ( هاشم وأمية في الجاهلية )
والرجل كان طموحا جدا
حين جعله يتطلع إلى مركز سياسي
مثل أن يكون وزيرا أو حتى نائب في مجلس النواب العراقي الملكي
وحتى يصل إلى ما كان يتطلع إليه
وجد أن الدخول في معترك الصحافة سيقربه من الذي يطمح له
فأصدر جريدة يومية باسم ( الساعة )
ومن خلالها استطاع التقرب من السياسي المعروف صالح جبر
والسيد عبد المهدي المنتفكي
الذي كان أول وزيرا للمعارف في تاريخ العراق الحديث
وصار المتحدث بلسان هذه الكتلة السياسية من خلال جريدته
حتى تحول الأمر إلى صراع مع صحف أخرى
تعارض كتلة صالح جبر وجماعته

ولكن الصراع بين جريدة ( الساعة ) وجريدة ( السجل )
التي يرأسها طه فياض أخذت تتجه نحو سجال عنيف بين الطرفين
وكان هذا عام 1943م
والباشا نوري السعيد يتابع ما يحصل من سجال
حتى أن مبيعات الجريدتين أصبحت تزداد يوميا بسبب هذا الجدال
والباشا كان يعتبر ما يحصل شيء عادي
ولم يتدخل لكن المحامي طه الفياض كتب في مقاله الأخير
ما يثير حفيظة السيد صدر الدين

حين اتهمه بأنه ليس عراقيا
ولا يحق له أن يتصرف كعراقي ...


وتحول الخلاف من خلاف سياسي إلى خلاف شخصي
هذا الكلام جعل السيد صدر الدين يستشيط غضبا

فكتب في افتتاحيته ردا جريئا
لم يسبق أن قاله أحد
فقال أن تعييره بأنه أجنبي عن العراق
أنما يمس أكبر مقام في العراق
وهي إشارة إلى العائلة الملكية في العراق

(( هي عراقية بالتجنس مثله لأنها حجازية الأصل ))

والجميع يعرف أن والده السيد عبد الحسين شرف الدين الموسوي
من مواليد مدينة الكاظمية عام 1873م
ولكن السيد صدر الدين ترك العراق ومضى إلى جبل عامل في جنوب لبنان
وعاش هناك وهو أصلا ولد في النجف عام 1912م .
المهم يقول ( فيصل حسون ) صاحب كتاب ( صحافة العراق )
حول ما قاله السيد صدر الدين :

(( كانت تلك الإشارة بالغة الجرأة بل حد التطاول
بحيث ساوى نفسه بملوك العراق الذين تعاقبوا على عرش العراق
وهم غير عراقيين وإنما جاءوا إلى هذه البلاد من الحجاز
ولم يكن منهم غير الملك فيصل الثاني من مواليد بغداد
بينما ظل خاله الوصي عبد الإله محتفظا بجنسيته الحجازية ))

هذا الكلام الذي قاله السيد صدر الدين
جلب عليه قلق البلاط الملكي العراقي .....
وغضب الحكومة العراقية
لأن جريدة ( الساعة ) كانت ذات شعبية كبيرة
في مدينة الكاظمية في بغداد وفي كربلاء والنجف
وحينها وجد الباشا نوري السعيد مضطر
لأن ينهي هذا الجدال الذي لا فائدة منه سوى إثارة الفتنة
وطلب من طه فياض ومن السيد صدر الدين المثول إمامه فورا
وتكلم نوري السعيد معهما بلهجة شديدة ومهددا كلاهما
فقال لطه فياض :

(( اسمع أن لم تنتهي من مقالاتك
فأني أنفيك إلى مدينة هبهب
وأنت تعرف شكو بهبهب ))


ثم نظر نوري السعيد إلى السيد صدر الدين وقال له :

(( وأنت يا صدر الدين
تره أذبك على الحدود
وأخليك تمشي مشي إلى لبنان ))


وبهذا الكلام القاسي من الباشا انتهى السجال والجدال بين الجريدتين

لكن الذي حيرني هو تهديد الباشا نوري السعيد
للمحامي طه فياض بنفيه إلى هبهب
وهي مدينة عراقية تقع في محافظة ديالى

وتبين لي مدى خبث الباشا الله يرحمه

لأن مدينة هبهب كان فيها المزارعون يصنعون من التمر ( الزهدي )
مشروب كحولي شديد القوة سمي ( عرق هبهب )

والذي يشتمه فقط يفقد صوابه
وحتى الذي يشمه من بعيد لا يعرف طريق بيته
فكيف الحال لو شرب منه !!!! ؟


يروي ( حسن علاوي ) وهو من أهل كرخ بغداد
أنه تناول بعض منه ولم يعثر عليه إلا ثاني يوم مرمي في ساقية مهجورة
وفي حال يرثى لها .

ويروي عزيز مجيد حسين وهو من أهل كرخ بغداد أيضا
أنه شم رائحته فقط ونقل إلى بيته وقدميه تسحل في الأرض ...

أما صالح الناصر ( صاحب النكات والطرائف الشهير ) في كرخ بغداد
أنه ابتدع نكته عن شارب ( عرق هبهب )
وهو يصيد السمك في نهر دجلة
أنه اصطاد سمكة كبيرة
وفتح بطنها فوجد في داخلها ........
واكتفي بهذا .

نوري باشا السعيد حين قال لطه فياض

(( أنت تعرف شكو بهبهب ))

كان يقصد أن مجرد شمك لهذا
يجعلك لا تعرف قدميك من يديك ...
وتنسى الصحافة واهلها





إلى حلقة أخرى