(المستقلة)..أقبل الصيف، ويخطط الكثيرون لزيارة واحدة على الأقل إلى الشاطئ. وربما تكون هذه فرصة للتفكر في أهمية الرمال للاقتصاد العالمي. وهناك ثلاث ثورات تكنولوجية تقوم على الرمال، إحداها ما زالت في طور البدء وإن تنامت، سيكون لها تأثيرات عظيمة. والعنصر الرئيسي فيها هو مادة السيليكون، المكون الرئيسي للرمال. وكانت الثورة الأولى في صناعة السيليكون هي صناعة الزجاج، التي بدأت منذ أكثر من مليون ونصف عام عندما اكتشف أسلافنا أهمية الزجاج البركاني، وهو زجاج أسود يتكون من الحمم البركانية. وكان الزجاج البركاني خامة تصلح لصناعة الأسلحة والآلات الحادة، لشدة تعرج وحدة حوافه. لكن صناعة الزجاج الحقيقية لم تبدأ إلا مع ظهور الحضارات الأولى في سهول بلاد الرافدين (العراق) والمادة الخام لهذه الصناعة، وهي السيليكون، متوفرة بكثرة، فثلثي قشرة الأرض تتكون من الرمال. كما أن مادة السيليكا هي المكون الرئيسي لكل الصخور على اختلاف أشكالها. وتصهر الرمال على درجة حرارة 1,600 درجة مئوية، مع القليل من رماد الصودا والحجر الجيري، ثم يبرد الخليط بسرعة لنحصل على شكل الزجاج الذي نعرفه. وذرات الزجاج حبيسة إطار واحد، لكنها تتحرك بحرية لتكون أشكالا عشوائية. لذا، فالزجاج صلب كالمواد الصلبة، في حين تتشكل ذراته بعشوائية كالسوائل. وأصبحت هذه الخامة ذات أهمية كبيرة في حياتنا، فلا يمكن تخيل العالم بدون زجاج نوافذ، أو شاشات، أو زجاجات، أو عدسات للميكروسكوب والتيليسكوب. كما تعتمد الكيمياء على الزجاج، إذ يشير أندريه سيلا، أستاذ الكيمياء بجامعة كلية لندن، إلى أنابيب الاختبار والقياس والقوارير التي تملأ معمله. ويقول سيلا إن ثورة السيليكون القادمة تعتمد على شكل مختلف تماما لهذه المادة، هي شرائح السيليكون التي تستخدم في الأجهزة الإلكترونية. وفي هذه الصناعة، تجرد مادة السيليكا من جزيئي الأوكسجين المكونين لها، لتصبح واحدة من أنقى المواد على الأرض. والسبب في اختيار السيليكون في هذه الصناعة هو كونها مادة شبه موصلة، يمكن التحكم في درجة توصيلها. والهدف من شرائح الكمبيوتر في الأساس هو توصيل الإلكترونات. وبحسب سيلا، فإن صناعة المواد شبه الموصلة “قائمة على إضافة شوائب للسيليكون، بشكل يكون عوائق للإلكترونات للتحكم بها. ويمكن إغلاق وتشغيل هذه العوائق بشكل يسمح بالتحكم في الإلكترونات وبالتالي، إجراء العمليات المتعلقة ببرمجة الحواسب.” وهذه العوائق تعرف بالموصلات (ترانزستور) وظهرت الشريحة الإلكترونية الأولى في أيلول (سبتمبر) 1958، وكانت مصنوعة من مادة الغيرمانيوم. لكن بعد عدة أشهر، ظهرت شريحة السيليكون الأولى، لتبدأ معها صناعة البرمجيات الحديثة. ومع تطور صناعة الشرائح، تطورت إلى طبقات رقيقة من السيليكون. لذا، نجد الآن أجهزة صغيرة لها قدرات حوسبة عالية. ويعرض معرض شركة انتل، أكبر مصنعي شرائح الحواسب من حيث الأرباح، طريقة عمل قانون مور، المنسوب إلى روبرت مور، أحد مؤسسي الشركة. وانتجت الشريحة الأولى عام 1969، وبها 1,200 موصل، وبحلول عام 1972، تضاعف عددها ليصل إلى 2,500. واستمر عدد الموصلات في التضاعف حتى أنتجت انتل شرائح رقيقة من السيليكون تحمل ملياري موصل. وما زال من غير المعروف المدى الذي قد تصل إليه هذه التكنولوجيا. ويقول مارك بوهر، المسؤول عن تطوير الشرائح في انتل، إنه يتذكر ما قاله الخبراء بأنه “لا يمكن صنع أجهزة أصغر من مئة نانومتر في الحجم. والآن، نصنع أجهزة بحجم عشرة نانومتر، ولا يمكننا توقع نهاية لتطور هذه التكنولوجيا”. ولتقريب الصورة، لك أن تتخيل أن خلية الدم الحمراء الواحدة في جسم الإنسان قطرها أربعة آلاف نانومتر. لكن بوهر أشار إلى أن العمل بتقنية النانو له عيوبه، وقد يتسبب في ظاهرة تعرف باسم “النفق الكمي”، إذ تصبح الدوائر صغيرة بدرجة تصعب تحديد مكان الإلكترونات. وتتحرك الإلكترونات بين العوائق بشكل يتسبب في مشاكل عدة، كتسريب الطاقة من الشرائح. كما قد تؤدي لسخونة الشريحة أو توقفها عن العمل. واضطرت شركات الحواسب إلى إعادة تصميم الموصلات، واستخدام مواد جديدة وطبقات أكثر تعقيدا. إلا أن بوهر أشار إلى أن مواجهة هذه التحديات ليست بنفس قدر الزيادة في سرعة الشرائح. لذا، لم تتطور الحواسب المكتبية كثيرا خلال السنوات العشر الأخيرة، في حين يمكن دمج إمكانياتها الحوسبية في هاتف ذكي صغير. وأضاف أننا قد نحتاج إلى تكنولوجيا جديدة في المستقبل إن استمرت الشرائح في الانكماش. فمثلا قد يتحول التركيز من تركيز أكبر عدد من الإلكترونات داخل الشريحة إلى التحكم في نموذج هذه الحركة. ويقول بوهر إنه حتى الآن، تثبت الدوائر على شرائح ثنائية الأبعاد. وإن أمكن تطوير شرائح ثلاثية الأبعاد في المستقبل، ستعتبر هذه نقلة في إمكانيات التوصيل بدرجة تجعل من الممكن للشرائح العمل كعقل الإنسان. لكن يبقى سؤال إن كان السيليكون سيحتفظ بمكانته في صناعة التكنولوجيا، إذ يجري البحث عن بدائل أخرى مثل الغاليوم والكربون والإنديوم. إلا أن توافر السيليكون وتكلفته الزهيدة قد تبقيه في قلب هذه الصناعة. كما سيبقى السيليكون في قلب الثورة التكنولوجية الثالثة، التي أصبحت من أكثر الصناعات نموا في الولايات المتحدة، وتوفر عشرات الآلاف من الوظائف، وهي صناعة الألواح الشمسية. ولم تكن صدفة أن تنمو هذه الصناعة في “وادي السيليكون” حيث تقع أهم الصناعات التكنولوجية، تماما كالحواسب. وكان أول المستفيدين من هذه الصناعة هم “الهبيز” الذين يزرعون الحشيش المخدر، وليس المهتمين بالتكنولوجيا. وكان أحد هؤلاء، ويدعى جون سكافير، هو أول من اتجه إلى الاستفادة من طاقة الشمس. وسريعا ما أدرك حاجة أقرانه إلى المجاريف والعدس، ففتح متجرا عاما. حتى أتاه رجل في سيارة بورش يعرض عليه نوع جديد من الأعمال. يروي جون ضاحكا: “لقد جذب اثنتين من الخلايا الكهروضوئية التي انقذها من برنامج الفضاء”. وأضاف: “قمنا بتوصيلهما، وبسرعة بدأ هؤلاء الشباب المشردين “الهيبيز” في التدفق من الغابة على المتجر وأعجبوا بهذه الأشياء لدرجة الجنون”. هذه الألواح الشمسية الأولى كانت متواضعة للغاية بالمعايير الحديثة. وعند قوة 9 واط يمكنهما بالكاد أن يمدا بالطاقة بطارية صغيرة للغاية وقام ببيعهما بـ 900 دولار، لكن زبائنه كانوا أثرياء بسبب الربح الذي يحصلونه من مزارع الإصيص خاصتهم، وفي غضون أسابيع قليلة باع نحو ألف من تلك الألواح الشمسية. ويتذكر جون، وهو لا يزال يضحك من تفاهة الأمر كله: “قبل وقت طويل من هذا، أرسلت شركة أركو سولار، وهي أول شركة للطاقة الشمسية في لوس أنجلوس، مسؤولين كبار منها على […]

أكثر...