تبدأ رحلتهن الأسبوعية إلى سوق الجمعة مع انبلاج الفجر، يحملن أقفاص الطيور فوق رؤوسهن بعد أن يسندن الحمولة على قطعة قماش سميكة تأخذ شكل دائرة حتى يصلن إلى أقرب "موقف"، من أجل وسيلة مواصلات زهيدة تحملهن إلى مصر حيث باب رزقهن الأسبوعى فى منطقة السيدة عائشة، الذى ينفتح يومين فى الأسبوع الجمعة والأحد، وتنتشر فى شارعه الطويل الكثير من الفلاحات اللائى ينزحن إلى القاهرة من القرى والنجوع القريبة.

منذ عشر سنوات تأتى "أم محمد"، التى تجسد صورة الفلاحة المصرية الأصيلة بثوبها الفلاحى والمنديل الأسمر الذى تعصب به رأسها وخجلها، من الإفصاح عن اسمها الذى تتخلى عنه مع أول مولود لها فيتحول اسمه إلى جزء من اسمها مرفق بكلمة "أم"، إلى سوق الجمعة نازحة من الفيوم بصحبة طيورها التى تطعمها من بقايا ما تطعم بها أولادها حتى تسمن، وتجد لها زبونا فى السوق الشهير ببيع الطيور والحيوانات، وتشير الفلاحة الأصيلة بفخر إلى أنها لم تستسلم للظروف وكافحت حتى علمت أبناءها، "الحمد لله أديت رسالتى وأولادى الاثنين فى كليات الحقوق والتجارة، وبنتى أخدت الثانوية وبتساعدنى فى البيت لحد ما يجيلها عدلها".

"أم محمد" التى توفى زوجها منذ عشر سنوات لم تجد أمامها وسيلة أخرى لتعيل صغارها سوى بيع الطيور التى تربيها فى المنزل؛ ولأنها لم تجد لها سوقا رائجة فى بلدتها صارت تسافر كل أسبوع إلى القاهرة لتبيعها فى سوق الجمعة، خاصة أنها لا تتكلف شيئا سوى مصاريف المواصلات، "مبدفعش فلوس عشان الفرشة فى السوق زى ما بيحصل فى أسواق تانية والناس بتراعى الظروف والحوجة اللى خلتنى أسيب بلدى وعيالى وأجى هنا عشان أجرى على رزقهم".

تجلس من ساعات الصباح الباكرة فوق أحد أقفاصها بينما ترص البط والرومى الذى أحضرته معها على قفص آخر إلى حين انتهاء صلاة الجمعة، حيث تعيد ما تبقى من طيورها داخل القفص لتستعد لرحلة العودة وتطمئن زبائنها أن طيورها حصلت على التطعيم اللازم.

على بعد عدة خطوات تجلس فلاحة أخرى تحمل نفس الوجه الكادح الذى حفرت فيه خطوط الزمن والشقاء، تمد يدها التى لم تتعود على الراحة منذ الصغر إلى داخل قفص يحتوى على مجموعة من الأرانب مختلفة الأنواع تعددها "أم أحمد" قائلة: "فيه الأرانب الفلندر والبلجيكى والبابيون والكلفورنيا ومفيش اختلاف بينهم غير فى الاسم، وفيه نوع اسمه زيزى أو رومى بيشتريه الدكاترة والصيادلة عشان يعملوا عليه تجارب، وفيه صعايدة بيسلخوه ويأكلوه"، وبخبرة طويلة فى تربية الطيور تشير إلى أن الأرانب التى ترتفع وتنخفض أسعارها حسب السوق تصبح جاهزة للأكل من عمر 4 شهور للأنثى و5 شهور للذكر.

"أم أحمد" تأتى منذ 4 سنوات من القليوبية إلى سوق الجمعة لتساعد زوجها على المعيشة بسبب الغلاء وتؤكد كأى زوجة أصيلة، "لازم نجدف سوا عشان المركب تمشى ونعرف نعيش ونربى العيال تربية كويسة"، فهكذا هو قدر الفلاحة المصرية دائما أن تساعد زوجها فى البيت والغيط.



بالصور.. ألف تحية للفلاحة المصرية.. "بتساعد فى البيت والغيط" 1.jpg


بالصور.. ألف تحية للفلاحة المصرية.. "بتساعد فى البيت والغيط" 2.jpg


بالصور.. ألف تحية للفلاحة المصرية.. "بتساعد فى البيت والغيط" 3.jpg


بالصور.. ألف تحية للفلاحة المصرية.. "بتساعد فى البيت والغيط" 4.jpg



أكثر...