(( صورة تربط الألمان بإبادة الأرمن ))




روبرت فيسك
صحيفة الاندبندنت
ترجمة - خالد قاسم






تظهر صورة، أكتشفت حديثاً، ضباطاً من جيش القيصر في مسرح الجريمة التي ارتكبها الأتراك.من الواضح أن هذه الصورة، التي لم تنشر من قبل، قد التقطت في صيف سنة 1915. وتبدو الجماجم مبعثرة على الأرض، وهي كل ما تبقى من مجموعة أرمن، ذبحهم الأتراك العثمانيون خلال الحرب العالمية الأولى. ويقف أمام الكاميرا خلف تلك الجماجم ثلاثة من الضباط الأتراك ويرتدون قبعات طويلة ورقيقة، اضافةً الى رجل في أقصى اليمين يرتدي الزي الكردي. لكن الرجلين الآخرين ألمانيان، ويرتدي كلاهما القبعات العسكرية المسطحة والأحزمة والستر القصيرة التي عرف بها الجيش الألماني الامبراطوري.

انها لقطة فوتوغرافية وحشية، شبيهة بالصور التي إلتقطها النازيون لجنودهم مع ضحايا "الهولوكوست" خلال الحرب العالمية الثانية.فهل شارك الألمان في عملية القتل الجماعي للمسيحيين الأرمن العام 1915؟ وهذه ليست أول صورة من نوعها؛ مع أن الألمان قد تمت تبرئتهم بشكل كبير، حتى الآن، من جرائم ضد الانسانية خلال أول محرقة في القرن العشرين.وسجّل الدبلوماسيون الألمان في المقاطعات التركية، خلال الحرب العالمية الأولى، عمليات الترحيل الاجبارية والقتل الجماعي لمليون ونصف المليون من المدنيين الأرمن باشمئزاز واستنكار للأتراك العثمانيين، ووصفوا القتلة في الميليشيات التركية بـ"الحثالة". وفي مقر البرلمان الامبراطوري، استنكر البرلمانيون الألمان تلك المذبحة. والواقع أن ضابطا طبيبا ألمانيا يدعى "ارمين فيغنر" قد غامر بحياته لالتقاط صور مروعة عن الأرمن القتلى،الذين كانوا يحتضرون خلال الإبادة.
وفي العام 1933، ناشد فيغنر الزعيم الألماني هتلر، بالنيابة عن اليهود الألمان، وتساءل عمّا ستصبح عليه المانيا اذا استمر الزعيم في اضطهاده.

وقد تعرّض هذا الطبيب، بعد تلك الحادثة، للاعتقال والتعذيب على يد قوات "الغستابو"، وقد دفن بعض من رماده في متحف إبادة الأرمن في "يريفان"، عاصمة جمهورية أرمينيا.وقد اكتشف هذه الصورة الأخيرة مدير المتحف النشيط "هايك ديمويان"، الذي عثر عليها مع صور أخرى لأتراك يقفون بجانب جماجم، وتتصل الصور بشهادة الناجين التي فقدت منذ زمن طويل.
ويبدو أن جميع الصور قد التقطت في موقع يعرف باسم "يرزنكا" وهي بلدة في "يرزينجان"، وتعرض الكثير من أهلها للقتل على الطريق المؤدية الى "أرضروم". وقد سقطت يرزينجان لفترة قصيرة بيد الجنرال الروسي "نيكولاي يودنيتش" أمام الجيش التركي الثالث في حزيران 1916، وكان الأرمن المقاتلون الى جانب الروس قد تمكنوا من جمع أدلة لصور فوتوغرافية ووثائقية كثيرة عن مجازر الإبادة ضد شعبهم التي وقعت في السنة السابقة. وطبعت الصحف الروسية صوراً فوتوغرافية بيانية عن حقول القتل، وقد تم الاحتفاظ الآن بهذه الصحف أيضا في أقسام الأرشيف في متحف يريفان. وكانت القوات الروسية قد اضطرت للانسحاب من تلك المنطقة. كما التقط الضابط الطبيب الألماني فيغنر صوراً كثيرة في نهاية طريق الترحيل الواقع شمال سوريا الآن، حيث مات هناك عشرات الآلاف من الأرمن بسبب الكوليرا والإسهال في معسكرات اعتقال بدائية.

وكشف متحف يريفان مؤخرا مزيداً من الصور التي تم أخذها في مناطق "الرقة" و"رأس العين"، ومن الواضح أن ناجين أرمن قد التقطوها سراً. وتظهر إحدى الصور خياماً ولاجئين، وتحمل عنوانا باللغة الأرمنية يقول: "قافلة لاجئين أرمن في رأس العين" . وتبدو الصورة أنها التقطت من شرفة تطل على المعسكر.
وهناك صورة أخرى معنونة باللغة الألمانية "معسكر أرمني في الرقة"، وربما التقطت من قبل أحد زملاء فيغنر في الجيش، وتظهر عدداً من الرجال والنساء وسط خيام رتيبة. ومن المؤسف أن معظم اللاجئين الأرمن الذين نجوا من مسيرات الموت الى رأس العين والرقة قد أعدموا في السنة التالية عندما حاصرتهم قوات الابادة العثمانية.وقد وجه بعض القناصل الألمان تصريحات مضادة لتركيا. كما وصف المؤرخ الأميركي "بيتر بالاكيان"، ذو الأصل الأرمني، كيف أن طلبا بروتستانتياً ألمانياً قد تم توجيهه إلى برلين، متضمنا الاحتجاج على تلك المذبحة، قائلا إنه: "منذ نهاية آيار، صدر أمر بترحيل السكّان الأرمن بأكملهم من جميع الولايات الأناضولية وقيليقيا في السهوب العربية جنوب خط سكة بغداد برلين." وعندما كان مصرف "دويتشه بنك" يمول خطة سكة بغداد- برلين، شعر مسؤولوه بالرعب من رؤية عرباته محمّلة بمهجرين أرمن من الذكور ويتم نقلهم الى أماكن الإعدام. اضافةً الى ذلك، تعقّب البروفيسور "بالاكيان" ومؤرخون آخرون كيف أن بعض الشهود الألمان على المجازر الأرمنية لعبوا دوراً في النظام النازي.على سبيل المثال، كان "كونستانتين فريهر فون نيوراث" مرتبطاً بالجيش التركي الرابع في العام 1915 مع تعليمات بمراقبة "العمليات" ضد الأرمن؛ وأصبح لاحقاً وزير خارجية هتلر و"حامي بوهيميا ومورافيا" خلال أعمال الرعب التي ارتكبها "راينهارد هايدرايش" في تشيكوسلوفاكيا. أما "فريدريش فيرنر فون دير شولنبورغ" فكان قنصلاً في أرضروم التركية بين عامي 1915 و1916 ومن ثم سفيرا لهتلر في موسكو.

كما كان "رودولف هويس" نقيباً في الجيش الألماني في تركيا سنة 1916؛ وأصبح بين عامي 1940 و1943 آمر معسكر "اوشفيتز" للإبادة، ومن ثم نائب مفتش معسكرات الاعتقال في مقر قوات الأمن المعروفة باسم (أس أس). وقد أدين وأعدم من قبل البولنديين في اوشفيتز سنة 1947.وبالعودة إلى الصورة موضوع الحديث، فربما لا نعرف مطلقاً هوية الضابطين اللذين يقفان غير مكترثين بجانب جماجم "يرزينجان".











النص منقول حرفيا