من أهم الظواهر التى أصبحت تؤرق المجتمع المصرى، تصاعد معدلات العنف بين طلبة المدارس، لم يعد يقتصر العنف على المعلم فقط، بل أصبح يشارك فيه الطالب أيضاً، كثيراً ما نسمع عن مدرس يضرب تلميذ بصورة وحشية، تؤدى لأضرار بالغة وتسبب إصابات جسدية ونفسية، أو نسمع عن طالب تهجم على مدرسه وتعدى عليه بالضرب أمام زملائه، مما أدى لفقدان هيبة واحترام المعلم، فمن المسئول عن هذه الظاهرة وما طرق علاجها؟.

إن مجتمعنا مبنى على السلطة الوالدية، المدرسة هى المتنفس لجميع الضغوط الخارجية، فمن يتعرض فى حياته الأسرية لعنف من قبل الأهل، سيفرغ كبته بسلوك عدوانى عنيف تجاه الآخرين، تتعدد صور العنف وتختلف، تبعاً لمستوى التعليم والمرحلة التعليمية، وإن كان أكثر انتشاراً بين طلاب المرحلة الثانوية.

من أهم أسباب العنف بين الطالب وزميله أو معلمه، عدم مراعاة الفروق الفردية بين الطلبة، جرت العادة على تقدير الطالب المتفوق، واعتبار الطالب ذو المستوى الدراسى المتوسط فاشل، هذه فكرة خاطئة تماماً، تؤدى إلى الشعور بالإحباط والدونية، بالتالى تدفعه للعنف، الذى ينشأ كنتيجة للمنافسة والغيرة، إلى جانب عدم الاهتمام بالطالب، عدم إعطائه الفرصة للحوار والتعبير عن ذاته، والاستهزاء بأفكاره، والتركيز على نقاط ضعفه وسلبياته، توجيه النقد له بصفة مستمرة، عدم السماح له بالتعبير عن مشاعره، عدم احترام إنسانيته، توبيخه وإهانته أمام زملائه، كلها تؤدى به لمشاعر عدوانية ويظهر العنف كرد فعل لها.

مشكلة عدم وجود مدرسين تربوين، مؤهلين يعرفون كيف يتعاملون مع نفسية الطالب المراهق، الخلل فى المنظومة التعليمية، المناهج وطرق التدريس التقليدية، تدنى مستوى التعليم، تكدس الفصول، إلى جانب ضعف مستوى الطالب الدراسى وعدم قدرته على التحصيل، فلا يهتم بدراسته ولا يهتم بشرح المدرس، يثير الشغب، يستفز المعلم، يغيب عن المدرسة ويتجه للقيام بأعمال تتسم بالعنف، خاصة مع الغياب الأمنى فى المدارس، ضعف الراتب يجعل المعلم مجبر على إعطاء دروس خصوصية، بتقاضيه من الطالب المال، يضطر للتغاضى عن كثير من تصرفاته، أيضاً دور الأسرة وموقفهم من المعلم، حين تقع مشكلة بين الطالب والمعلم، الأهل غالباً يقفون فى صف أبنائهم، بغض النظر عن أخطائهم، مما أدى لضعف مكانة المعلم وفقدانه لهيبته واحترامه أمام الطالب.

انعدام الجانب التربوى، البيئة التى ينشأ فيها، عدم الاستقرار الأسرى، فقدان الحنان، القسوة، الإهمال، التفرقة فى المعاملة، عدم وعى الوالدين، إنشغالهم وفقدانهم القدرة على توجيه أبنائهم، عدم وضع ضوابط للاحترام وحدود للتعامل بين الصغير والكبير، كلها عوامل تؤدى فى النهاية لتنشئة شخصية تتسم بالعنف والعدوان، فالأسباب الرئيسية للعنف دائماً تبدأ من داخل الأسرة والتنشئة الاجتماعية.

لا يمكن أن نغفل دور الإعلام وتأثيره المباشر من خلال ما يعرض من أفلام وبرامج تلفزيونية تنشر أحدث تقنيات الجرائم، وتعمق الإحساس بعدم الرضا، ومشاهد العنف التى لها تأثير مدمر وتترك أثراً فى نفوسهم، حيث يخزن عقله الباطن كل ما يشاهده، ثم يستدعيه عند التعرض لأى موقف مشابه فيظهر فى صورة سلوك يتسم بالعنف والعدوان.

كل هذه العوامل مجتمعة تساعد على تزايد ظاهرة العنف، فهى انعكاس للواقع الذى نعيشه، فالعنف بمثابة وسيلة للتعبير عن الرفض والإحباط والشعور بالقهر.

علاج هذه الظاهرة، يحتاج إلى تضافر جهود كل من الإعلام والأهل والمدرسة، جميعهم يلعبون دوراً هاماً فى نشر ثقافة التسامح ونبذ العنف، التركيز على الجوانب الإيجابية، التوجيه بضرورة الابتعاد عن العدوان، تغيير المفاهيم والمعتقدات الخاصة بالقوة والرجولة، تنمية القيم، التواصل بين الأهل وأبنائهم، إعطائهم الفرصة للتعبير عن رأيهم، الأخصائى الاجتماعى فى المدرسة يلعب دورا هاما من خلال عقد لقاءات مستمرة مع الطالب والجلوس معه، ومحاولة امتصاص شحنة الغضب والانفعال، دراسة حالته، تشجيعه على أن يشارك فى أنشطة رياضية وفنية، يخرج فيها طاقته بصورة إيجابية، توضيح أثر العنف عليه وعلى المجتمع من حوله.

مهم جداً التركيز على الجانب الدينى، مراعاة الله فى تصرفاته وسلوكه تجاه نفسه وتجاه الآخرين، البعد عن أصدقاء السوء، التركيز على النواحى الانفعالية قبل النواحى المعرفية، أن يكون المدرس قدوة حسنة فى تعامله بود وتفاهم، وتوفير الأمان النفسى، وبحث مشاكله ومشاركته فى محاولة إيجاد حلول لها.





أكثر...