"باب كبير فتح على مصرعيه متجاوزا بارتفاعه العشرين مترًا، يخفى خلفه تاريخًا امتد لمئات السنين، ويحتضن حكايات آثار امتزجت معالمها بمن جاورها من السكان، ليتناسى معها شارع الجمالية أحقيته التاريخية فى أن يكون مزارًا سياحيًا بما يحويه من آثار إسلامية لا تقل عن نظيرتها فى أى مكان آخر.

يمتد الشارع على طول 500 متر بداية من باب النصر حتى المشهد الحسينى وخان الخليلى، ويرجع تاريخه إلى عهد المماليك، عندما انتهك الأمير جمال الدين يوسف الأستادار أملاك الغير وبنى مدرسته وقصره لتعليم الأطفال مما جعل عامة الناس يلجأون إلى السكن فى الحى، ليتكون بعد ذلك شارع الجمالية الذى حوى العديد من المبانى الأثرية التى يجهلها الكثير من سكان الشارع نفسه.

ويبلغ عدد الآثار بالشارع 22 أثرًا، بداية من بوابته العريقة "باب النصر" بالناحية الشمالية منه، مرورًا بـ "حوش عطا" الذى أنشأه الأمير سليمان أغا السلحدار لدفن أقارب الأمراء، ولكنه تحول إلى مكان لتجارة الحبوب والصابون وصناعة الأخشاب، إضافة إلى بعض الغرف السكنية والمحلات وورش النحاس والاسطبلات فى فترة الحكم العثمانى كما يقول الحاج "عبدالكريم على" أحد جيران الحوش.

وعندما تتقدم للأمام قليلاً تجد على يسارك "خانقاة بييرس الجاشنكير" وهو مسجد يعد من أقدم دور العبادة بالقاهرة، ويقع فى الشارع أيضًا مسجد "سعيد السعداء" أنشئ عام 1149 ويعد أول بيت للعبادة فى العصر الأيوبى، حتى جاء قرار بترميمه، أعقبته فتوى خرج بها وزير الثقافة الأسبق فاروق حسنى، بأن المسجد لا تجوز الصلاة به، لعدم احتوائه على مأذنة، فظل مغلقًا إلى الآن، حسبما يروى الحاج "أحمد إبراهيم" أحد سكان المنطقة.

ويتوسط الشارع مسجد "الخواجة" الذى ينسب إلى التاجر محمود محرم الفيومى والذى أتى من الفيوم وعمل بالتجارة بالمنطقة، ومع ربح تجارته قرر إنشاء المسجد وقد عرف عنه حبه للتقوى، ويقابله مسجد جمال الدين الأستادار بشارع التمبشكية ويرجع إلى العام 810 هـ ويحوى أسفله عددا من المحلات، إلا أن مأذنته القديمة تهدمت.

ويضم الشارع أثارًا أخرى مثل سبيل غطاس، ومدرسة قراسنقر المنصورى، والمسافر خان، وحارة المبيضة، ومدرسة بيبرس، وسبيل قطاس، ومسجد الشهداء.

وكان للمنطقة جانب تجارى، فضلاً عن وجهها التراثى، حيث كانت تحتوى على العديد من الوكالات، كما يقول الحاج سامى حسين أحمد (69 عامًا)، مضيفًا "المنطقة كان فيها وكالات تجارية كتيرة زى "وكالة القدسى و"وقف الحرمين" ووكالة "بزارعة" كانت فيها تجارة حبوب ويقصدها تجار من مختلف البلاد، ووكالة "بجنيد" للأقمشة والحبوب، و"كحلة" اللى كانت مصنع صابون كبير للخواجات، حتى التأميم وتحولت لورش صغيرة".

الشارع الطويل لم يخل أيضا من الاحتفالات، فكل عام وتحديدا فى أول خميس بعد الاحتفال بمولد سيدنا الحسين، تقام الاحتفالات بمولد "سيدى المرزوقى" الذى يقع مسجده "المرزوقى الأحمدى" بشارع الجمالية على ناصية شارع قصر الشوق، والذى ينسب إليه أنه كان أول خليفة للسيد أحمد البدوى، كما يضم أثرًا لقدم الرسول صلى الله عليه وسلم كما يقول "عبده على عبدالهادى" صاحب محل بجوار المسجد.

وعلى الرغم من هذا الكم الهائل من الآثار العريقة، إلا إنك تصدم بعدم معرفة سكان الشارع بها، حيث يقول علاء الرشيدى أحد أصحاب المحلات "الناس هنا مش عارفة تاريخ وقيمة الآثار الموجودة فى الشارع، كل اللى يعرفوه بالكتير اسم المكان، ولو جامع بيبقوا عارفينه علشان بيصلوا فيه، الناس محتاجة تعرف وتفهم إن دى آثار ليها قيمة وتاريخ ولازم نحافظ عليه".

أما "رمضان حسين" صاحب أحد المحلات بالشارع فيقول "الشارع فيه آثار إسلامية كتيرة، ومساجد كتيرة فى منها اترمم وبعضها لا، لكن مشكلة الآثار دى الجهل بتاريخها، والإهمال، المفروض يكون فى حراسة على الأماكن الأثرية لحمايتها من الناس اللى بيبوظوها، وبيستغلوها كجزء من محلاتهم".



أكثر...