تعتبر إصابة الجهاز البولى بالبلهارسيا من أكثر أسباب الفشل الكلوى فى مصر، وذلك لأن البلهارسيا البولية ما زالت منتشرة فى ريف مصر، سواء فى الدلتا أو فى الصعيد، وهذا المرض متوطن فى مصر منذ أيام الفراعنة.

يقول الدكتور حسنى سلامة، أستاذ الكبد والجهاز الهضمى بطب قصر العينى، تم اكتشاف هذا المرض فى مصر عام 1850 ميلادية، ويرجع الفضل فى اكتشافه إلى العالم الألمانى تيودور بلهارس وفى نفس العام 1850، وعثر عالم آخر يدعى جورج إيبرس على بردية مصرية قديمة فى مدينة الأقصر تعرف حتى الآن ببردية إيبرس.

ويرجع تاريخ كتابة هذه البردية إلى عام 1550 قبل الميلاد، وهى من أكبر وأهم البرديات الطبية، حيث يصف فيها الطبيب المصرى القديم (الذى كتبها بدقة علمية مذهلة) مرض البلهارسيا البولية بالتفصيل، كما وصف أعراضها ومضاعفاتها، وكذلك وصف دودة البلهارسيا وصفا تفصيليا، ولم تقتصر هذه البرديات المحيرة للعقول على وصف المرض والطفيل المسبب له، وإنما تطرقت إلى موضوع طبى مهم جدا، وهو طرق الوقاية من هذا المرض وأهمها عدم الاستحمام أو الوقوف فى المياه الراكدة.

وكان القدماء المصريون أول من استعملوا أملاح الأنتيمونى الذى عرفناه فى القرن التاسع عشر باسم "الطرطير المقيئ" فى علاج البلهارسيا، وكانوا صادقين كل الصدق، إذ ذكر الطبيب فى برديته المشهورة أن هذا الدواء، وإن كان مؤثرا فى القضاء على البلهارسيا، إلا أنه ليس خاليا من الآثار الجانبية، ففى عام 1910 نشر العالم الإنجليزى الشهير الدكتور أرموند روفر بحثا رائعا فى المجلة الطبية البريطانية عن اكتشافاته المتعددة، حيث أثبت بالميكروسكوب بويضات البلهارسيا المتكلسة فى كلاوى كثير من المومياوات التى يرجع تاريخها إلى 3000 سنة قبل الميلاد ثم توالت الاكتشافات بعد ذلك عن مضاعفات البلهارسيا البولية فى الحالبين والمثانة فى المومياوات المصرية القديمة.

وأكد "سلامة" أن الإصابة بالبلهارسيا، سواء المعوية أو البولية، لا تنتج عن شرب المياه الملوثة بالسركاريا، على عكس الاعتقاد السائد عند العامة، إذ إن هذه السركاريا إذا وصلت إلى الجسم عن طريق الجهاز الهضمى، فإنها تموت تماماً من حموضة المعدة وإنما الطريق للإصابة بالبلهارسيا يكون عن طريق الاستحمام أو الوقوف مدة طويلة فى البرك والمستنقعات أو المياه الراكدة أو الأجزاء الساكنة من النيل، وبهذه الطريقة تجد البلهارسيا طريقها عن طريق أى تشقق جلدى، خصوصا بين أصابع القدمين، لتبدأ رحلتها فى الجسم البشرى عن طريق الأوردة البابية، حيث تؤدى إلى تليف الكبد الكامل، أما الأماكن الأخرى التى تستقر فيها حالات البلهارسيا البولية الخطيرة، فنجد أنها تستقر فى حالبى الكليتين أو الحويصلة والبروستاتا المنوية والمثانة ونسيج الكليتين.

وأشار "سلامة" إلى أنه مع الإصابة بالبلهارسيا فى أى مكان من الجهاز البولى يحدث تليف والتهابات ميكروبية بالحالبين والكليتين والمثانة ومجرى البول، ومع تكرار الإصابة أو عدم العلاج يؤدى ذلك إلى ضيق بالحالبين وعنق المثانة ومجرى البول وقرح متعددة بالمثانة، ومع تطور المرض وإهماله وتكرار الإصابات الميكروبية المتعددة يحدث ضيق شديد فى الحالبين وعنق المثانة، ويؤدى هذا إلى تكيس ميكروبى فى الكليتين ينتهى بالفشل الكلوى.

ولعل من أخطر مضاعفات البلهارسيا فى مصر حدوث أورام سرطانية شديدة الشراسة فى المثانة وأسفل الحالبين، وهذا يؤدى إلى فشل كلوى فى مراحل العمر الأولى للمريض، وللأسف فإن علاج هذا الفشل مع علاج الورم الخبيث من أعقد المشاكل الصحية فى مصر، ولا يوجد له حلول جراحية مُرضِيَة أو علاج كيميائى مفيد، ومن المؤسف أن أكثر من نصف مليون فلاح مصرى يموتون سنويا من الفشل الكلوى أو الأورام الخبيثة الناتجة عن البلهارسيا.



أكثر...