من مقبرة معروف الكرخي في جانب الكرخ من بغداد انتقل مزاد الخيول إلى جانب الرصافة ومن أحكام القدر أن يكون مكانه الجديد أيضا مقبرة ألا وهي مقبرة السهروردي وبالتحديد على مقربة من بقايا سور بغداد القديم الباب الوسطاني الذي شيد في عهد الخليفة العباسي المستظهر بالله سنة 488 هجرية.
ويبدو أن الرمز الذي يوحي به الحصان ـ قد أبى إلا أن يرتبط بالمواقع التاريخية.
مزاد الخيول
مزاد الخيول في بغداد والذي يطلق عليه باللهجة الدارجة ـ جوبة الخيل حيث يجتمع في هذا المكان صباح كل يوم جمعة المئات من الناس مصطحبين معهم الخيول والحمير والعربات المختلفة من اجل البيع أو الشراء أو المبادلة والتي تعرف في هذا الوسط ، -بالمراوس ـ صباحا ذهبنا إلى المزاد وتابعنا تواصل قدوم الحافلات الصغيرة وهي تحمل أنواعا مختلفة من الخيول والقسم الآخر قد جاء بسحب عربات بيع النفط الأبيض وأخرى عربات بيع قناني الغاز.
سالت السيد عطا ثابت وهو من أقدم المتواجدين في هذا المزاد عن التحول في المكان والسبب في هذا فأجاب"بعد الإحداث وتصاعد أزمة الوضع الأمني في جانب الكرخ مكان المزاد القديم بالقرب من مقبرة ضريح الشيخ معروف الكرخي انتقل هذا المزاد إلى جانب الرصافة في الساحة المقابلة لمقبرة السهروردي وبالقرب من الباب الوسطاني بقايا سور بغداد القديم وذلك لان الرصافة أكثر أمانا واستقرارا من جانب الكرخ حيث يشهد ذلك الجانب بين الفترة والاخرى مواجهات مسلحة وأعمال عنف إرهابية لا تفرق بين الأخضر واليابس أزمة الوقود التي مازالت تتراوح ما بين غياب وحضور زادت في ارتفاع أسهم الحصان وشقيقه الحمار وذلك من خلال استخدامهما في جر عربات النفط والغاز".
يبدأ المزاد مثله مثل أي مزاد آخر حيث يعرض الحيوان ـ حمار أو حصان ـ وينادى عليه منادي المزاد بصوته الجهوري بسعر أولي يزايد عليه الحاضرون حتى يصل سعر الحصان إلى ما يقارب الـ(300) الف دينار عراقي و(250) ألف دينار للحمار وهذا المبلغ مقارنة بما كان من أسعار الخيول والحمير مبلغا قياسيا.
ارتفاع أسعار الحمير والخيول
وعرفنا من السيد محمد حسن ـ بياع شراي ـ في المزاد أن السبب في ذلك الارتفاع في أسعار الخيول والحمير هو أزمة الوقود وأيضا البطالة المنتشرة الآن بين الشباب في المزاد الذي اتخذ من ساحة قرب المقبرة القديمة أصبحت هناك مطاعم متجولة وباعة سجائر اتخذوا من "دكات "القبور مساطب لبضاعتهم بحثت طويلا عن خيول أصيلة في المزاد فلم اجد والسبب أن اغلب المعروض هو ـ كديش ـ بالتعبير الشعبي ويطلق على الحصان الذي يستخدم لأغراض العمل وجر العربات.
أما المواطن محمد كاظم فقد حدثنا قائلا "اغلب الخيول الأصيلة التي كانت موجودة في العراق قد هربت إلى الخارج في فترة الفوضى التي سادت بعد سقوط النظام ومن ضمنها خيول ـ اللجنة الاولمبية ـ خيول عدي واغلبها قد نفقت بسبب العلف العادي الذي لم يعجبها لأنها كانت تربى في مستوى راق لم يحلم به أيما مواطن عراقي في ذلك الوقت.
ارتفع الغبار مع ارتفاع حرارة الأسعار وارتفع أيضا الضجيج من الصهيل وأصوات الناس لذلك غادرنا المزاد ونحن نردد قول الشاعر:
اعز مكان في الدنا سرج سابح
وخير جليس في الزمان كتاب
بورصة الحيوانات
وبالطبع لا يعرف سوى عدد قليل من البغداديين أن هناك سوق جمعة خاصا بالحمير، هي أشبه بالبورصة. قال عنها الزميل الصحافي سعد جابر: «لم يعان مخلوق مثلما عانى الحمار منذ بدء الخليقة وليومنا هذا فهو لم يحظ كأبناء عمومته من الخيول بالمكانة أو أبناء خؤولته من البغال بالسمعة الحسنة. واذا كان العالم الخارجي استغنى عن خدماته وحوّله إلى محض مانح للفرجة في حدائق الحيوان، فانه في بلدنا لا يزال يعاني الامرّين ويقوم بالكثير من ضروب المواصلات، فهو يجر عربات الحمل من غاز ونفط، وهو ناقل لا يستغنى عنه في معامل السمنت ومواد البناء إضافة إلى الماء في ضواحي بغداد والمحافظات".
بين" الأملح "و "الأحيمر"
والحمير أنواع من حيث التسمية، فبعضها يسمى «الأحيمر» والبعض الآخر «الأخيضر» و«الأملح». ويقول لعيبي وادي أقدم دلاّل في سوق الحمير إن «أشهر أنواع الحمير وأغلاها سعراً هو الشهري الأبيض ويصل سعره إلى أكثر 150 ألف دينار لأنه طويل ويستطيع تحمل الأثقال أما الأنواع الأخرى فيتراوح سعرها بين 50 ألف إلى 100 ألف دينار.
سوق "النزيزة"
وفي شرق منطقة العبيدي جنوبي بغداد ثمة ساحة كبيرة تسمى «النزيزة» وهي اكبر سوق للحمير في العراق، ويحتدم المزاد الذي غالبا ما يبدأ هادئا لينتهي بمعركة يختلط الحابل فيها بالنابل عندها يكتشف المشتري أن الحمار الذي يبدو قويا من خلال انتصاب أذنيه أعطاه صاحبه منشطات يدوم مفعولها ساعة أو ساعتين. ويعلق ابو محمد، مالك أسطول من الحمير أن السوق سميت بـ «النزيزة» لوجود بركة مياه آسنة كبيرة في وسطها تستعمل للفحص فحينما تتم عملية المساومة والاتفاق يؤخذ الحمار للفحص عند البركة فإذا اجتازها تتم الصفقة والعكس هو الصحيح.

منقووول