فاروق يوسف … سيكون صعبا التنبؤ بالأسباب التي حدت بالإدارة الاميركية إلى أن تقبل بالهيمنة الايرانية على العراق. فهل كان التخلي عن العراق من بعد غزوه الذي كان باهظ الكلفة جزءا من المخطط الاصلي الذي كان يهدف أصلا كما يقال إلى تدمير دولة عربية قوية اسمها العراق؟ هناك من يزعم أن الولايات المتحدة كانت مضطرة، بسبب تنامي النفوذ الايراني في العراق، إلى التسليم بتلك الهيمنة الايرانية التي سيكون من شأن استمرارها أن ينشيء أجيالا طائفية من العراقيين لن تكون مؤمنة بفكرة الوطن الذي يجمع العراقيين على اساس مبدأ المواطنة. وهو ما سيؤدي عاجلا أم آجلا إلى تفكيك العراق وتقسيمه إلى دويلات طائفية متناحرة. هي فكرة واقعية، ولكن ما كان لها أن تكتسب طابعها الواقعي لولا أنها كانت تدخل في اطار المشروع الاستعماري الاميركي، الذي لم يكن في أساسه مشروعا ربحيا، بقدر ما كان تجسيدا لرغبة أميركية قديمة في اعادة رسم خرائط المنطقة، بما يؤدي إلى ولادة شرق أوسط جديد، لن يكون العرب فيه قوة فاعلة. لذلك فقد لجأت سلطة الاحتلال الاميركي في أول أيامها إلى التبشير بولادة عراق جديد لن يكون وريثا للعراق التاريخي. لقد أُطلقت على ذلك العراق تسمية عراق المكونات، وهي تسمية ستقود في ما بعد إلى اضفاء نوع مختلق من الشرعية على ما سمي بنظام المحاصصة العرقية والطائفية، وهو نظام لن يقوى على تأسيس دولة مدنية بديلة لتلك الدولة التي عمل المحتل على تحطيمها، بل واقتلاع جذورها. كانت سلطة الاحتلال قد رسمت صورة العراق المستقبلية، بلدا تتنازع فيه الطوائف، ممثلة بأحزاب وشخصيات تم اختيارها بعناية في ما بينها من أجل اقتسام الغنائم الذي وضعها المحتل على وليمة، سيكون العراق كله مساحة مفتوحة لها. وهو ما يمكن أن يضع تفسيرا مقنعا للصراعات التي كانت ولا تزال “الكتل السياسية” التي هي ليست سوى جماعات طائفية وعشائرية بائدة تغذي بتوترها ثقافة شعب، صار يهتم بمشكلات الحكم أكثر من اهتمامه بسبل عيشه والخدمات التي ينبغي أن تقدم له، باعتباره مالكا لثروة، صارت فجأة ملكا للصوص دوليين. أما وقد انتهى العراق إلى ما هو عليه من ضعف وفشل وفساد وخراب، فان هيمنة ايران على ما تبقى منه لن تكون مصدر ازعاج للمحتل، في ظل وجود قواعد عسكرية ثابتة، وسفارة اميركية هي الأكبر في العالم من جهة عدد موظفيها الذين لا يقل عددهم عن 15 الف موظف. بالنسبة للادارة الاميركية فان ايران وهي العدو التاريخي للعراق لن تفعل من خلال تغلغلها سوى الاسوأ. بل لا أبالغ إذا ما قلت أن العمليات القذرة التي يمكن أن يقوم بها الايرانيون لن تجرؤ أكثر الفرق الأميركية قذارة على تنفيذها. ومَن يطلع على سيرة الحكومة العراقية التي يتزعمها نوري المالكي منذ ثمان سنوات، لابد أن يضع يده على مغزى قبول الادارة الاميركية بتسليم محميتها إلى ايران. لقد أنفقت حكومة المالكي ترليون من الدولارات هي حصة العراق من مبيعات نفطه خلال ثمان سنوات من أجل تعميق الشرخ الطائفي، ودفع العراقيين إلى حرب أهلية، كانت طبولها تدق بين الاذانين السني والشيعي. لهذا لم يكن مفاجئا أن يكون المالكي محل اتفاق اتفاق أميركي ــ ايراني، لطالما سعى الطرفان إلى أن تتسع تداعياته لتعفي الولايات المتحدة نفسها من مطاردة رأسا من رؤوس محور الشر، وهو الرأس الذي أتضح أن شره كان نافعا، من جهة تطابق أهدافه مع أهداف الاستعمار الجديد. لقد عينت الولايات المتحدة ايران حارسا لأهدافها في العراق.

أكثر...