http://im76.gulfup.com/fdOwF.jpg
أقلعت طائرة الرئيس عبد السلام محمد عارف
والوفد المرافق له إلى المغرب وتحديدا إلى مدينة ( الدار البيضاء )
حتى أطمئن عارف عبد الرزاق
حين عرف أن طائرة الرئيس
غادرت المجال الجوي العراقي ....
وبدء بتحركاته مع الموالين له من
( الحركة القومية الناصرية )
ومن ضمنهم الوزراء الأعضاء الذين استقالوا من حكومة طاهر يحيى السابقة
وأخذ يحرض على ضرورة الانقلاب على الرئيس عبد السلام عارف
الذي خرج عن الخط القومي الناصري
وأصبح رئيسا مستبدا
وكانت غاية المجموعة القومية
استلام السلطة
ويتولى عارف عبد الرزاق
رئاسة الجمهورية
من ثم مطالبة جمال عبد الناصر بالوحدة الفورية
تلبية لمطالب الشعب العراقي !!؟
والحقيقة أن هذه المجموعة القومية كانت على ثقة تامة
أنها ستنجح في مساعيها في استمالة الوحدويين
سواء كانوا من المدنيين أو العسكريين إلى صفوفها
وأن الطريق أمامها لتولي السلطة مفتوحا
ولا حاجة لنشر خبر الانقلاب أصلا !!
وبالتالي لم يخطر في بالها أبدا أن تأخذ الحيطة والحذر
في مثل هذه الأمور الحساسة والبالغة التعقيد
فهل هي نابعة عن
سذاجة سياسية
أم ثقة مفرطة بالنسبة لهم استسهلت إمكانية الفريق المقابل لهم !!؟
فلم تعبأ لأمرهم
وهذا فعلا ما يثير الدهشة حقا .
وصل الخبر بسرعة إلى رئيس أركان الجيش العراقي عبد الرحمن محمد عارف
وسعيد صليبي وحميد قادر وهم من الموالين للرئيس عبد السلام عارف
وما أن
حانت ساعة الصفر
وتوجه القادة الانقلابين إلى معسكر ( أبو غريب )
لتحريك القطعات المدرعة منه حتى كان سعيد صليبي وحميد قادر في انتظارهم
وكانت المفاجأة صاعقة للانقلابيين
حين قيل لهم أن القوة التي يتولى قيادتها عبد الرحمن عارف
مستعدة تماما لمواجهتهم ومقاومتهم حتى النهاية ..
كانت المفاجأة كافية لتجهض جماعة عارف عبد الرزاق من توجيه ضربتهم
وسرعان ما وجد عارف عبد الرزاق نفسه في مأزق حرج
وأنه سقط في شرك الموالين للرئيس عارف
وسرعان ما تمكن
من الهرب إلى القاهرة
بطائرة عسكرية انطلقت من معسكر الرشيد .
وبهروب عارف عبد الرزاق وفشل المحاولة الانقلابية
تخلص عبد السلام محمد عارف من الفريق العسكري المنافس له دفعة واحدة
وأن عارف عبد الرزاق لم يبقى في الحكم
وعلى رئاسة الوزراء
سوى عشرة أيام فقط !!؟
يروي
أمين هويدي ( سفير مصر في العراق )
قصة
( الانقلاب المبتور ) بقوله :
(( كانت الأزمات المتلاحقة في عهد الرئيس عبد السلام عارف
لها تأثيرها الشديد على صحة الرئيس عارف
وخصوصا على حالته النفسية فأخذ يفقد الكثير من الوزن
بعد أن عافت شهيته للطعام وعز عليه النوم
فما كان يأكل إلا لماما وما كان يذهب إلى فراشه إلا بعد صلاة الفجر
بعد أن يكون قد أمضى الليل كله ساهرا يفتش على الحرس في القصر الجمهوري
وذهبت به الوساوس إلى الحد الذي لمسته بنفسي
عند زيارتي إياه في الليل والنهار
إذ ما كادت حجرة مكتبه تحتوينا حتى يقوم بنفسه بقفل الحجرة بالمفتاح والمزلاج
خوفا من اقتحام مفاجئ يقوم به خصومه
ولم يكتف بذلك بل تولى بنفسه
تعيين خدمة الضباط في الحراسة دون سابق إنذار
وأكثر من تغيير وحدات الحرس الجمهوري
خوفا من أي ترتيبات تدبر من وراء ظهره !! ؟ ))
ويستمر أمين هويدي في سرد ما حصل بقوله :
(( قابلته بعد منتصف إحدى الليالي
وهو يسير ومرافقه في الطريق الموصل من القصر الجمهوري إلى جسر الجمهورية
وكنت عائدا وحدي إلى الدار في سيارتي
وعجبت أن يسير الرجل هكذا وحده في بغداد
في مثل تلك الظروف وفي مثل هذا المكان الموحش
وفي تلك الساعة المتأخرة من الليل
وأوقفت سيارتي واتجهت إليه
ولم يخف الرجل سروره الكبير من هذا اللقاء المفاجئ .
ولم اخف وساوسي ومشاعري عنه
فابتسم الرجل وهو يرد في آسى :
(( والله يا أبا هشام لم يكن أمامي إلا هذا ..
فالقصر رغم اتساعه أخذ يضيق بي
والأسقف على ارتفاعها أخذت تطبق عليّ
وخيل لي أني أصبحت في الزنزانة من جديد
فخرجت هاربا من القصر حيث الهواء الطلق ))
ولم يكن الرجل يدري أنه
خرج من سجن صغير إلى سجن كبير
إذ بدأ يشعر بالعزلة القاتلة التي أوقع نفسه فيها
وبوحشة الوحدة التي يعيشها بعد أن انقطعت علاقاته بالجميع
إلا القلة اللذين سعوا من أجل ذلك حتى ينفردوا به ))
سبحان الله ...
(( القصر رغم اتساعه أخذ يضيق بي
والأسقف على ارتفاعها أخذت تطبق عليّ ))
هذا القصر الذي كان من المفترض أن تعيش فيه الأسرة الملكية العراقية
وقتلوا غيلة وغدر في صباح يوم 14 تموز 1958م
كيف يمكن أن لا يضيق بساكنيه !!
فحين كتبوا على قصر الرحاب
( قصر النهاية )
فأن هذا القصر أصبح مصيره كحال النهاية
لكل من وطأ مداخله وأروقته وغرفه
حتى أصبح
( القصر الملعون ) .
إلى حلقة أخرى