جودت هوشيار ما هي أهم خصائص المحتوى الأعلامي الأكثر جذباً للقريء في أي وسيلة اعلامية . ؟ ما الذي ينبغي توافره في  المحتوى لكي يدفع القاريء ، ليس الى مجرد الأهتمام به ، بل الرغبة في أشراك الآخرين في متعة قراءته ؟ هل يبحث القاريء عن الفائدة أم المتعة ؟ هذه أسئلة  ظلت محيرة ومبهمة الى وقت قريب ، رغم انها اثارت اهتمام  العديد من الفلاسفة والمفكرين والكتّاب ، الذين حاولوا تفسير انجذاب القاريء أو السامع الى محتوى معين  ومنهم أرسطو ، الذي بين في سنة ( 350 ق.م. )  ان الخطبة – وهي المحتوى الذي كان شائعا  في ذلك الحين – لكي تكون مقنعة  للسامعين وتترك انطباعا قويا لديهم وتدفعهم الى الرغبة في روايتها  للآخرين ،  ينبغي ان تتوافر فيها ثلاث خصائص في آن معاً وهي ” الأخلاق والمنطق والعاطفة ” . واذا كان خطاب المتكلم يتسم بهذه الخصائص ، فمن المرجح أنه سيكون قادرا على التأثير في الجمهور المتلقي للرسالة واقناعهم  بآراءه ووجهة نظره . وما يزال استنتاج أرسطو يتمتع بأهمية قصوى في ايامنا هذه ، وينطبق الى حد كبير على أي محتوى بشتى صوره في وسائل الأتصال والأعلام المتنوعة . و من اجل التأكد من صحة استنتاج ارسطو  ، يمكن للقاريء أن يلقي نظرة على المواقع الألكترونية لأهم الصحف والمجلات العالمية ومواقع التواصل الأجتماعي – التي أتاحت الفرصة للقاريء لتمرير المقال ، الذي حاز على أعجابه الى من يريد من أصدقائه ومعارفه بمجرد الضغط على زر واحد أو التعليق على المقال وأغناءه –   ليرى بنفسه أن المقالات والمواد الصحفية المختلفة ، الأكثر قراءة وارسالا وتعليقاٌ ، تتوافر فيها هذه السمات الثلاث ،  التي حددها ارسطو بنظرته الثاقبة وتحليله المعمق لخطب الساسة والقادة في زمانه . تجربة عملية : قام البروفيسور جونا  بيرغر (Jonah Berger ) أستاذ التسويق في كلية وارتون لإدارة الأعمال في جامعة بنسلفانيا ، بدراسة عملية تبادل المحتوى الأعلامي بين القراء. وحلل نحو 7000 مقالة ، منشورة في الموقع الألكتروني لجريدة (  The New York Times) خلال ثلاثة أشهر متتالية ، في محاولة منه لمعرفة أهم الخصائص ،التي تتسم بها المواد الأكثر تداولا بين الجمهور المتلقي .مع الأخذ بنظرالاعتبار عدة عوامل منها تأريخ النشر وعدد القراء والجنس وحجم النص ودرجة تعقيده . اكتشف بيرغر سمتين اساسيتين تحددان مدى نجاح المقال ،وهما ،  مدى ايجابية فكرة المقال الرئيسية . و مدى قوة المشاعر الأيجابية ،  التي تثيرها لدى القاريء ، مثل ( الفرح، والفخر، والأهتمام  والعاطفة) على النقيض من المقالات ، التي المشاعر السلبية (الغضب، الاحتقار ،  والاشمئزاز). ولكن اذا كان المقال مثيرا ويتعلق بفضيحة مدوية ، فأنه ينتشر بسرعة رغم أنه قد يثير مشاعر الغضب أو القلق . ولكن ينبغي أن نتذكر ان ما يبعث على الفرح او الفخر  لدى الناس الذين ينتمون الى فئات عمرية او شرائح اجتماعية او مهن  او ثقافات أو أديان متباينة ، يكون في اغلب الأحيان مختلفا . لذا ينبغي للكاتب الصحفي أن يعرف الجمهوره المستهدف جيداً ولمن يوجه الخطاب ومن دون معرفة ذلك لن يلقى أي اهتمام بما ينشره من مواد . وللتحقق من صحة استنتاجاته قام  بيرغر بتجربة عملية وعرض على طلابه  محتويات أعلامية شتى وطلب من كل واحد منهم  أختيار ما يروق له من محتوى  ويود ارساله الى أصدقائه ، وقد تبين أن الطلاب كانوا أكثر استعدادا لتبادل القصص والصور المضحكة ، التي تثير المشاعر الايجابية من المقالات الجادة ، كما تبين انهم تبادلوا غالبا مقالات تثير الغضب والسخط  أو الأنزعاج من المقالات حول نفس الموضوع، ولكن مكتوبة بلهجة أكثر هدوءاً. ومن المثير للاهتمام، ان بيرغر عندما حاول التلاعب في  صياغة العناوين، وتغييرها من السلبية إلى الأيجابية وجد أن العناوين الأيجابية أكثر جذبا للطلاب . ويقول بيرغر في كتابه المعنون  (Contagious: Why Things Catch On? – العدوى :  لم الأشياء تجذب ؟) ان النتائج التي توصل اليها تنطبق ليس فقط على الأفكار والآراء فقط ،  بل أيضاً على الترويج الأعلامي  للسلع و المنتجات الصناعية . ويبدو أن هذا هو الهدف الأساسي من كتابه أي مساعدة الشركات في الترويج لمنتجاتها . ولكننا نعتقد أن الأفكار والآراء أو المواد الصحفية وبضمنها المقالات شيء والدعاية للمنتجات شيء آخر . كما أن ( بيرغر ) ينظر للموضوع من وجهة النظر النفسية والعاطفية للمتلقي الغربي ، التي قد لا تنطبق على المتلقي الشرقي . ولا شك أن آراء ( بيرغر ) مثيرة للجدل ، فهو لا يعير أي أهمية لمدي جودة المقالات التي تم ارسالها ، من حيث القيمة الفكرية وأسلوب المعالجة وصياغة المضمون  أو باختصار السمات ، التي تتصف بها للمقالات التي تابعها على مدى ثلاثة أشهر . ولكي نوفي الموضوع حقه من الدراسة ، سنتناول في السطور اللاحقة ، أهم الخصائص التي تتميز بها المقالات الأكثر اثارة لأهتمام القاريء . المقال بين المتعة والفائدة : ان حلم كل كاتب وكل صحفي  هو الأنتشار الواسع والسريع لكتاباته  بين الجمهور القاريء ، ولكن ينبغي له ،  قبل كل شيء ان يعرف هذا الجمهور جيداً ، لأن ما يعجب المثقفين ، قد لا يعجب من يبحث عن المقالات الخفيفة الممتعة ، التي لا تضيف شيئا الى  ما يعرفه القاريء . واذا نظرنا  حولنا  سنجد أن الشباب من الجيل الحالي يقبلون على الأعلام الجديد – الذي  أصبح جزءاً من حياتنا اليومية – بشغف ويتفاعلون معه بحماس ،  مما يوحي للوهلة الأولى  بأنهم  مهتمون بالقراءة ،  فهم لا يفارقون ( الآيباد ) و ( اللآيفون ) او الأجهزة الذكية الأخرى ، ولكنهم في الحقيقة ، لا يبحثون عن المعرفة ، بل عن المتعة . وما يقرؤنه لا يلبث في الذهن . قبل أكثر من ثمانين عاماً  ، كتب احمد حسن الزيات ،  مقالاّ بعنوان ” أدب الللذة ” وكأنه يصف ما يقرأه الشباب هذه الأيام .  يقول الراحل الكبير  ” انه الأدب الذي يلذُّ ولا يُفيد، ويَسوغ ولا يُغذي، ويَشغل ولا ينبِّه، كالذي تقرأه في […]

أكثر...