التمهيد : منزلة حسن الخلق في الإسلام
الأخلاق جمع خلق ، وهو الصورة الباطنة في الإنسان : يعني السجايا والطبائع ، وهي أوصاف الإنسان التي يعامل بها غيره، أو هي ما صار عادة للنفس وسجية لها على سبيل الرسوخ ويستحق الموجود بها المدح أو الذم ، وهي تنقسم إلى قسمين : محمودة ومذمومة، فالمحمودة هي الحسنة ، وللخلق الحسن منزلة عظيمة في الإسلام ، وتعددت الأحاديث الدالة على ذلك وتنوعت ؛ ففي حين يجعل حسن الخلق من الإيمان ، بل ويجعله أكمل خصال الإيمان فيقول صلى الله عليه وسلم : أكمل المؤمنين إيمانا أحسنهم خلقا فإيمان الذين أحسنوا الخلق زائد على من دونهم في حسن الخلق .
(الجزء رقم : 80، الصفحة رقم: 336)
وفي حين آخر يصرح بأن حسن الخلق من أفضل ما أعطي الإنسان ، سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم : يا رسول الله ، ما أفضل ما أعطي المرء المسلم ؟ قال: الخلق الحسن .
وأخبر النبي صلى الله عليه وسلم أن صاحب الخلق الحسن يبلغ بخلقه درجة الصائم القائم ، فقال: إن المؤمن ليدرك بحسن خلقه درجات الصائم القائم .
كذلك أخبر أن حسن الخلق أثقل ما يوضع في الميزان ، فقال: ما من شيء يوضع في الميزان أثقل من حسن الخلق، وإن صاحب حسن الخلق ليبلغ به درجة الصوم والصلاة .
وبين صلى الله عليه وسلم أن صاحب الخلق الحسن أحب الناس إلى الله وأقربهم منه من النبي صلى الله عليه وسلم مجلسا ؛ فقال: ألا أخبركم بأحبكم إلى الله وأقربكم مني مجلسا يوم القيامة ؟ قالوا : بلى، قال : أحسنكم خلقا .
كذلك ذكر أن أكثر ما يدخل الناس الجنة : حسن الخلق ؛ فقال صلى الله عليه وسلم : أكثر ما يدخل الجنة تقوى الله وحسن الخلق .
(الجزء رقم : 80، الصفحة رقم: 337)
وقال صلى الله عليه وسلم في بيان منزلة صاحب الخلق الحسن ودرجته في الآخرة وأنها أشرف المنازل أنا زعيم ببيت في ربض الجنة لمن ترك المراء وإن كان محقا ، وببيت في وسط الجنة لمن ترك الكذب وإن كان مازحا ، وببيت في أعلى الجنة لمن حسن خلقه .
وكان صلى الله عليه وسلم يأمر بمكارم الأخلاق ، وكان هو ذاته مثلا أعلى للخلق الحسن حتى قال عنه ربه سبحانه وتعالى: وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ .
وأوصى من كان من خواص أصحابه معاذ بن جبل بحسن الخلق فقال له : اتق الله حيثما كنت ، وأتبع السيئة الحسنة تمحها ، وخالق الناس بخلق حسن .
وفي المقابل ذكر أن سوء الخلق ينقص من الإيمان ؛ فقال صلى الله عليه وسلم : وإن المرء ليكون مؤمنا وإن في خلقه شيئا فينقص ذلك من إيمانه .
(الجزء رقم : 80، الصفحة رقم: 338)
وجاء في الحديث: سوء الخلق يفسد العمل كما يفسد الخل العسل .
وفسر صلى الله عليه وسلم البر بقوله البر حسن الخلق . يعني أن حسن الخلق أعظم خصال البر كما قال صلى الله عليه وسلم : الحج عرفة .
أو أن البر يكون بمعنى الصلة ، وبمعنى اللطف والمبرة وحسن الصحبة والعشرة ، وبمعنى الطاعة، وهذه الأمور هي مجامع حسن الخلق .
وقد تنوعت عبارات السلف في تفسير حسن الخلق ، وإن كانت كلها تدور حول خصال هي: العطاء ، والاحتمال، والعفو، وكظم الغيظ، وبسط الوجه .
فعن الحسن قال: " حسن الخلق : الكرم والبذلة والاحتمال " .
(الجزء رقم : 80، الصفحة رقم: 339)
وعن ابن المبارك قال : " هو بسط الوجه وبذل المعروف وكف الأذى " .
وعن الإمام أحمد أنه قال: " حسن الخلق أن تحتمل ما يكون من الناس " .
وقال ابن تيمية : " وجماع الخلق الحسن مع الناس : أن تصل من قطعك بالسلام والإكرام والدعاء له والاستغفار والثناء عليه والزيارة
(الجزء رقم : 80، الصفحة رقم: 340)
له. وتعطي من حرمك من التعليم والمنفعة والمال ، وتعفو عمن ظلمك في دم أو مال أو عرض " .
وقال القرطبي : " فالمحمودة على الإجمال : أن تكون مع غيرك على نفسك فتنتصف منها ولا تنتصف لها " .
وقد اختلف في حسن الخلق هل هو غريزة أو مكتسب ؟
ورجح ابن حجر - رحمه الله - أن منه ما هو جبلي ومنه ما هو مكتسب .
(الجزء رقم : 80، الصفحة رقم: 341)
وعلى هذا فالإنسان مأمور بالمجاهدة في خلقه حتى يصير محمودا حسنا بأن يحمل نفسه على كل عمل يوجب حسن خلقها .
وما ذكر من الآثار الدالة على فضل حسن الخلق دليل على أنها مكتسبة مقدور عليها ؛ ذلك أن الله تعالى لم يكلف العباد إلا ما يطيقون ، كما قال تعالى : لاَ يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلا وُسْعَهَا .
وقال : لاَ نُكَلِّفُ نَفْسًا إِلا وُسْعَهَا .

منقوول