اخبار العراق

خطيب جمعة كربلاء:المدارس أمام مسؤوليّة تاريخيّة وأخلاقية واجتماعيّة

شبكة عراق الخير:

أكّدت المرجعيّةُ الدينيّةُ العُليا أنّ العمل في مجال التعليم يحتّمُ على الفرد أن تكون وظيفته وظيفة أخلاقيّة ووظيفة عرفيّة ووظيفة شرعيّة ووظيفة وطنيّة، وأن يُربّي هذا الطفل على محبّة البلد وعلى احترام القيم، وعلى أن يكون عنصراً نافعاً وأن يكون عالماً، ومن الآن يجب أن يُزرع فيه هذا الأمل.

جاء ذلك خلال الخطبة الثانية من صلاة الجمعة المباركة ليوم (21ربيع الآخر1440هـ) الموافق لـ(28كانون الأوّل 2018م)، التي أُقيمت في الصحن الحسينيّ المطهّر وكانت بإمامة السيد أحمد الصافي (دام عزّه)، وهذا نصُّها:
“أودّ أن أتحدّث بخدمتكم حديث الأب لأبنائه والأخ لإخوته، بموضوعٍ قد يشغل بال الكثير منّا وهو من المواضيع الاجتماعيّة التي كثُر الطلب والحديث عنها حول إيجاد حلولٍ لمشكلةٍ أساسيّة، وسأبوّب المطلب على الشكل التالي حتّى أدخل الى صلب المشكلة، طبعاً الأمم عادةً تفتخر بما عندها من ذخيرةٍ علميّة أو ثروات أو ما أشبه ذلك، وبعض الأمم تفتخر بتاريخها والبعض يفتخر بحاضره، حقيقةً نحن أمّةٌ لو أردنا أن نجمع مصادر القوّة والخير عندنا لكنّا في المراكز المتقدّمة حضاريّاً، لكن تبرز بعض المشاكل التي تُرِكت فنَمَتْ وتشعّبت وأصبحت حالةً تحتاج الى حلّ، ولعلّ الذخيرة التي يُفترض أن نفتخر بها هي شريحةُ الشباب، والشبابُ هو عنوان الفتوّة وعنوان الحياة، في كلّ أمّة هناك حركة دائماً الشباب حالةٌ من الفتوّة وحالةٌ من الحركة، ممّا يدلّ على أنّ البلد بلدٌ حيّ ليس بلد عجائز، ليس هناك بلد لا يوجد فيه نموّ ولا أقصد من العجائز أنّ فيه مثلبة -والعياذ بالله- فهذا العمر من الطبيعيّ أن يمرّ به الإنسان، لكن هناك عمرٌ تؤشّر فيه الحالات الإيجابيّة والحالات السلبيّة.
اليوم شبابُنا يُعاني من مشاكل كبيرة وكثيرة، وأنا سوف أتحدّث بشفّافية في صلب المشكلة وهي مشكلة اجتماعيّة، أعيد.. إنّما هي عبارة عن مشكلة اجتماعيّة، يعني أنّ الواحد منّا عندما يخرج الى الساحة العامّة أو يخرج الى الأسواق أو يخرج الى المصانع سيرى حالة الشباب الكثيرة، وطبعاً عندما أتحدّث أنا لا أُعمّم العبارة وإنّما أتحدّث لأبيّن المسؤوليّة الملقاة، طبعاً الحمد لله البلد فيه من الشباب الواعي الكثير الكثير، لكن عندما أتحدّث أتحدّث عن بعض الجوانب التي يُفترض أن لا تكون، وملخّصها أنّ هؤلاء الشباب علينا أن لا نجعلهم ضحيّة، أنا أتحدّث عن كلّ مَنْ له تأثير سواءً الأب أو الأم أو المواقع الإداريّة أو المواقع الاقتصاديّة أو المواقع العلميّة أو المواقع السياسيّة، أقول هناك صورة حقيقيّة يجب أن نقرأها الى أين أنتم ذاهبون بشبابنا؟!! عندما نأتي الى العمر الذهبيّ للشابّ سنراه يُقضى في المدارس، هذا هو العمرُ الذهبيّ للشابّ وسوف تكون معه ذكريات حلوة أو مرّة، بالنتيجة بعد سبع سنوات تتلقّفه المدارس ويبقى في هذه المدارس الى أن يبلغ الثانية والعشرين أو الرابعة والعشرين من عمره، زهرةُ شبابه ستكون في المدارس، والمدرسةُ عبارة عن مصنع وعبارة عن مكان تُصنع فيه الرجال وعبارة عن تربية لابُدّ أن يتحمّلها هذا الشابّ، حتّى يأتي الينا بعد ذلك والأملُ معقودٌ به.
أنا عندما أذكر في عبارات التهليل في البداية في الخطبة الأولى عندما أصل الى كلمة أبنائي أختار الكلام المناسب لهؤلاء، فعلاً أنا أراهم الأمل وأراهم الغاية وأراهم السواعد التي يُمكن أن تبني أيّ بلد، لكن هل ما موجودٌ فعلاً يُرضي الطموح؟! الجواب: كلّا. الأسرة تُعاني من فَلَتان أبنائها والمدرسة تُعاني من كسل طلّابها، قلت: أنا لا أُعمّم إنّما أتحدّث عن بعض الحالات التي بدأت تتفشّى، أنتم أيّها المسؤولون عن التربية لاحظوا هذا العنوان المقدّس أن يكون الإنسان مربّياً، وواقعاً هذا العنوان يجب أن يرنّ في آذان كلّ مَنْ يتصدّى الى عمليّة التعليم، أن يكون الإنسان مربّياً ومعنى التربية هي حالةٌ مقدّسة، أن الإنسان يربّي أحداً على فضيلة وعلى قيم، لماذا نكون بطريقةٍ أو بأخرى نضحّي بشبابنا!! الشباب الآن سينقمون على بعض مَنْ يحاول أن يحرفهم عن خلقهم وعن طينتهم وعن هويّتهم وعن تربيتهم وحتّى عن أُسرهم، حالة من التفكّك الآن في الأسرة بسبب ضياع الهدف عن الشاب، الشباب مملوءٌ فتوّة لكن جعلوا عقله فارغاً لغاية أو لأخرى، أيّها الشباب أنتم الآن بعمرٍ قد لا تتفهّمون جدوى هذا الكلام لكنّكم ستحفظونه في المستقبل، عليكم أيّها الشباب أن تكونوا بمستوى وعيٍ كبير، الوقت يمضي والوقت يضيع ولكن أنتم لا تضيعون، المدارس الآن أمامها مسؤوليّة تاريخيّة وأخلاقية واجتماعيّة، عندما تأتي بهذا الولد أو البنت الى المدرسة عليك أن تصوغه صياغةً وتجعله عنصراً نافعاً لا تؤثّر عليه سلباً، ولو شئتُ أن آتي بشواهد لذكرت بأمثلة نبدأ ولا ننتهي، وكثيرٌ من الشكاوى في هذا المرحلة، الشكاوى من عدم التربية الصالحة الشكاوى من عدم اهتمام مراحل التربية عند الطلّاب، الشكوى من التسيّب الذي يحصل، لا توجد أمّة لا تراقب ذخيرتها، أنتم أيّها الشباب ذخيرةُ البلد فلا تجروا وراء عوامل تحبط من عزيمتكم، أنتم الآن المعدن الطيّب أنتم الآن الأمل أنتم الآن الذين تُعقد عليكم الآمال، أنتم لا تعرفون الآلام التي بُذلت من آبائكم حتّى تصلوا الى ما وصلتم إليه.
أنت أيّها المعلّم أنت أيّها المربّي الفاضل أرجوك أن تحفظ هذا العنوان عندك، لا تتنازلْ عنه، أنت مربّي وهذا العنوان نحن نقف إجلالاً لهذه الوظيفة، أنت مربّي والتربية تحتّم عليك وظيفةً أخلاقيّة وظيفةً عرفيّة وظيفةً شرعيّة وظيفةً وطنيّة، أن تربّي هذا الطفل على محبّة البلد وعلى احترام القيم وعلى أن يكون عنصراً نافعاً وعلى أن يكون عالماً، من الآن إزرعْ فيه هذا الأمل، هؤلاء أبناؤنا علّموهم كيف يقضون الأوقات، هذا الطفل إذا نشأ نشأةً سيّئة سوف يكون عالةً علينا، علّموا الأولاد كيف يقضون الوقت وعلّموا الأولاد كيف يهتمّون بالأُسر، لا تجعلوا الأولاد يتحلّلون عن الأُسر فالأسرة عمادٌ والأسرةُ أمرٌ نفتخر به، نحن نتحدّث عن الأبناء وعن البنات وعن الإخوة والآباء والأمّهات في كلّ مراتب التجليل والتعظيم، لابُدّ أن تكونوا بمستوى تحمّل هذه الألفاظ وأن لا نترك وظيفتنا.
نعم.. توجد مشاكل لا نقول أنّ الأرض مفروشةٌ بالورد بل توجد مشاكل، لكن الرجال الذين يصنعون في المشاكل الرجال الذين لا يتركون المشاكل خلف ظهورهم، وقد رأينا وسمعنا أنّ أناساً وشباباً -والله- كانت فيهم قوّة تُعادل ما شاء الله من الشباب، وهم في ظروفٍ جدّاً صعبة لكنّهم جعلوا الظروف خلفهم وما شاء الله اندفعوا بكلّ ما يملكون، وهم عناصر مهمّة لبلدهم ولأسرهم ولآبائهم ولأمّهاتهم ولمجتمعهم، الشابّ -إخواني- هو ذخيرةُ البلد، أيّها الأب أرجوك أن تُعطي وقتاً لولدك، أيّتها الأم أرجو أن تُعطي وقتاً لابنتك، مارسوا عمليّة التربية في هذا الظرف الذي نعيشه، لا تفرّقوا بالعقد الأهمّ في حياتنا وهم الأبناء بعنوان مجهول أو بعنوان ليس لي وقت، تبّاً لهذا الشُّغل الذي يُقصيك عن أبنائك ولهذا الشغل الذي هو أهمّ من أبنائك، أيّ شغلٍ أهمّ من أبنائك؟! أيّ مسؤوليّةٍ أهمّ من الأبناء؟! أعطوا وقتاً لأبنائكم فالأمور تسير بطريقةٍ سيّئة، وبعض الأمور يندى لها الجبين -والله-.
نعم.. هناك أُسرٌ جزاهم الله خيراً وهم كُثُر، يهتمّون اهتماماً بالغاً بالأولاد وهنيئاً لكم، وسترون آثار هذه التربية على أولادكم في كلّ معاني الخير والمودّة والرحمة وستُفتح أبواب الخير في وجوههم، أنا أتحدّث عن قلّةٍ لكن هذه القلّة كالسرطان، هذه القلّة كدودة الأرض إنّما تسري سرياناً علينا، انتبهوا أيّها الأولاد واستنصحوا، أنتم في عمر الفتوّة وكثيرٌ من الأمور غائبةٌ عنكم، استنصحوا ولا تخجلوا من النصيحة، الإنسان إذا استنصح الآخرين معنى ذلك أنّه شاركهم في عقولهم (من شاور الناس شاركهم في عقولهم)، تعلّم على أن تعلم وأن تتعلّم من الكبير ومن الذي هو أكثر خبرةً منك، عوّدْ نفسك على أن تتّخذ الصحيح، وأنتم إخوتي أُعيد عليكم هذا هو العنصر المهمّ، كثيرٌ من الأولاد يتأثّرون بالمربّي أكثر ممّا يتأثّرون بالأب، وكثيرٌ من بناتنا يتأثّرن بالمربّيات أكثر ممّا يتأثّرن بالأمّهات، فعلى المربّي والمربّية والمقصود المربّي بالمعنى العامّ أي المعلّم والمدرّس أينما يكون، عليكم أن تفرحوا بهذا العنوان وتحمدوا الله على هذا العنوان، لكن أن تعطوه حقّه.
على كلّ حالٍ في النفسِ غُصصٌ من هذا الموضوع، لأنّه مؤلم وإن قلّ، ولكن يحتاج الى همّة و(ربّ همّةٍ أحيت أمّة).
نسأل الله تعالى أن يرينا في أبنائنا كلّ خير وأن يُرينا في بلدنا كلّ خير، ونسأل الله تبارك وتعالى بمن نحن في جواره أن يتقبّل منّا ومنكم صالح الأعمال، اللهم اغفر للمؤمنين والمؤمنات والمسلمين والمسلمات الأحياء منهم والأموات، تابِعِ اللهمّ بيننا وبينهم بالخيرات إنّك مجيبُ الدعوات، وآخر دعوانا أن الحمد لله ربّ العالمين وصلّى الله على محمدٍ وآله الطيّبين الطاهرين”.

 

وكالات

iraqkhair

موقع مستقل يهتم بالشأن العراقي والعربي في جميع المجالات الاخبارية والاقتصادية والتقنية والعلمية والرياضية ويقدم للمتابع العربي وجبة كاملة.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
Verified by MonsterInsights