تحقيقات وتقارير

مَن يُفشل المستشفى التركي؟! في المحافظات

شبكة عراق الخير :

رغم أن مئات الحسابات ووسائل الإعلام الحزبية هاجمت المتظاهرين مطلع حزيران الماضي، ووصفت تصرفهم بإجبار مدير صحة ذي قار على الإستقالة بأنه “غير قانوني”، إلا أن أحداً من القوى الرئيسية في البلاد، لم يجب على السؤال الذي كان يردده الشبان، وهم يحملون صور ضحاياهم الذين سقطوا بالرصاص إبان حكم رئيس الوزراء السابق عادل عبدالمهدي.

me_ga.php?id=3158

عاد عبدالحسين الجابري إلى منصبه في اليوم التالي، ثم أقاله المحافظ ناظم الوائلي في وقت لاحق، لكن متظاهراً كان قد وقف أمام كاميرات الفضائيات في صبيحة “الإجبار غير القانوني” ذاك، ببذلة رياضية مهترئة تعكس مستواه المعيشي، وأطلق السؤال الذي تجاوزه الجميع:

“لماذا لا يُفتتح المستشفى التركي؟!”

me_ga.php?id=3157

من أجل الإجابة عن أحد “أكثر الأسئلة غموضاً”

مسؤول كبير من محافظة ذي قار، شغل طيلة سنوات عدة مناصب مكنته من الإطلاع على “القصة الكاملة” لما يسميه “الإفشال المتعمد”.

اشترط المسؤول في حديثه  عدم كشف هويته للعلن، مؤكداً إنه “مستعد لكشفه هويته وما لديه من (كومَة) وثائق ومواجهة أيٍ من الجهات التي سيتحدث عنها إذا طلبت ذلك”، إلا أنه “يفضّل أن تأخذ المعلومات التي سيدلي بها طريقها نحو التحقيق والمتابعة، وليس إلى التراشق السياسي في حال كشف عن هويته وهو المسؤول البارز في إحدى القوى السياسية الرئيسية”.

من تظاهرة الشهر الماضي

ويسرد المسؤول تفاصيل مؤرّخة حول عشرات الاجتماعات والزيارات طيلة السنوات الماضية، كما يقدم -في نهاية حواره الذي امتدّ أكثر من ساعة

ما يعتبره السبب الرئيس للإخفاق، وهو الطريقة التي تم التعاقد فيها على تشييد المستشفيات الخمس بعقد واحد لا يمكن فصله، كما يحمّل المسؤولية لوزراء الصحة المتعاقبين، ولا يستثني الشركة التركية من جزء “يسير” من مسؤولية الإخفاق، ويوجه خطابه إلى الجهات الحكومية والتحقيقية بعبارات مقتضبة “بلا استدعاء لوزراء الصحة والتحقيق معهم.. ستبقى لعنة المستشفيات التركية تدور في حلقة مفرغة”.

 

قرار الإنشاء

مطلع شهر كانون الأول من العام 2008، أعلن صالح الحسناوي، وزير الصحة في حكومة رئيس الوزراء الأسبق نوري المالكي، التعاقد من أجل تشييد 10 مستشفيات في عموم المحافظات، منها 5 مستشفيات 400 سرير، عن طريق شركة يونيفيرسال التركية في محافظات ميسان وبابل وكربلاء وذي قار والبصرة، فضلاً عن توقيع عقود مع شركات اميركية والمانية واسترالية لبناء 5 مستشفيات أخرى، كما أكد الحسناوي حينها إن وزارته “تتباحث” من أجل بناء 7 مستشفيات إضافية، و7 مستشفيات للولادة، ليكون المجموع 24 مستشفى، لم يرَ أي منها النور حتى بعد نحو عقد من الإعلان، وحين اندلعت احتجاجات حزيران الماضي في ذي قار، كان المستشفى التركي عالقاً منذ سنوات عند نسبة إنجاز تفوق 90 بالمئة، دون أن يتمكن مواطنو المحافظة من فهم سبب عدم اكمال النسبة اليسيرة من الإنجاز وافتتاح المنشأة الصحية في المحافظة التي شهدت فوضى صحية بعد تفشي وباء كورونا.

me_ga.php?id=3156

النص الكامل للحوار:

الضربة الأولى: قرار 347 لسنة 2015

يشير المسؤول في حديثه

إلى القرار 347 للعام 2015، والذي تم بموجبه إيقاف تمويل عدد من المشاريع، بعد أن ورثت حكومة رئيس الوزراء الأسبق حيدر العبادي من سابقتها حكومة رئيس الوزراء الأسبق نوري المالكي، دولةً يسيطر تنظيم داعش على ثلث مساحتها.

يقول المسؤول “قرار مجلس الوزراء رقم 347 أوقف تمويل عدد كبير من المشاريع، من أجل مواجهة انخفاض اسعار النفط التي تزامنت مع تكبّد العراق تكاليف الحرب ضد تنظيم داعش، في الحقيقة تم إيقاف آلاف المشاريع، أعتقد أن عددها بلغ 6000 مشروع، وكان المستشفى التركي في ذي قار أحد تلك المشاريع.

 

me_ga.php?id=3151

me_ga.php?id=3153

me_ga.php?id=3154

me_ga.php?id=3152

 

“لسنا مدينين للشركة بدينار واحد”

ينفي السياسي والمسؤول البارز في حديثه

أن يكون سبب التلكؤ في إنهاء المرحلة الاخيرة (10%) من مشروع المستشفى التركي في ذي قار، هو نقص التمويل، ويؤكد إنه وخلال أكثر من 10 زيارات إلى عدة وزارات في بغداد، ولقاءات بمسؤولين حكوميين بارزين بينهم رئيسي الوزراء حيدر العبادي وعادل عبدالمهدي، ووزراء إسكان وتخطيط وصحة، ومسؤولين في الشركة، لم يتطرق الحديث عن نقص في التمويل، كما ينقل عن مسؤول الدائرة الفنية في الوزارة قوله “لسنا مدينين للشركة بدينار واحد!” قياساً بنسب الإنجاز المتحقق، حيث تبلغ قيمة مشروع مستشفى ذي قار بالكامل نحو 95 مليون دولار، استلمت الشركة غالبية المبلغ تبعاً لمراحل الإنجاز وفقاً للمسؤول.

me_ga.php?id=3159

دور تظاهرات 2018

بعد تظاهرات العام 2018 في البصرة وبعض مدن الوسط والجنوب، تشكلت خلية أزمة برئاسة العبادي، وخلية أزمة في المحافظة تضم المسؤولين المحليين، وكنتُ أحد أعضائها، وساهم التنسيق بين الخليتين في إعادة الحياة إلى عدد من المشاريع، منها مشروع الخط السريع الدولي (ديوانية – ناصرية)، كانت جهوداً مثمرة من خليتي الأزمة والعبادي، إلا أن المستشفى التركي بقي متلكئاً”.

لاحقاً، حصل اجتماع حضره وزير التخطيط آنذاك سلمان الجميلي ومديرة دائرة الموازنة في وزارة المالية طيف سامي، لمناقشة اكثر من 20 ملفاً قمنا بتقديمها كخلية أزمة ذي قار، إلى خلية الأزمة الإتحادية، وعقدنا 25 اجتماعاً في بغداد لبحث عدة مشاريع متلكئة، على رأسها المستشفى التركي، وحضر ممثل الشركة التركية في أحد الاجتماعات، وتم إحراز تقدم بسيط في المفاوضات لإقناع الشركة بمواصلة العمل”.

ويتابع “ثم تبدّلت الحكومة بعد أشهر، ووصل طاقم رئيس الوزراء السابق عادل عبدالمهدي، وواصلنا المتابعة، ليُصار إلى تكليف وزير الإسكان بنكين ريكاني برئاسة لجنة وزارية كبيرة لمتابعة الملف، ومطلع العام 2019، استأنفت الشركة عملها بالفعل، ووفقاً للإتفاق، فقد كان مُنتَظراً من الشركة أن تبدأ تشغيلاً تجريبياً في 1 آذار 2019، يستمر 3 أشهر”.

me_ga.php?id=3160

 

الزيارة الأخيرة

في موعد التسليم التجريبي، بدا أن الأمور لم تزدد إلا سوءاً، يقول المسؤول “زرت المستشفى في آذار 2019 لأرفع الموقف الأسبوعي الى خلية الازمة الإتحادية، فلم أجد شيئاً يُذكر، قررت منحهم شهراً إضافياً قبل رفع الموقف، أجريت زيارة في نيسان واصطحبت معي هذه المرة وفداً من المسؤولين المحليين والإتحاديين، من بينهم المهندس المقيم ومدير صحة المحافظة، وتأكدنا جميعاً أن هذه الشركة لن تتمكن من التسليم حتى بعد عامين من الموعد، وأرسلنا إلى الوزير علاء الدين علوان نقول له (الشركة لم تسلم المشروع في موعدها، وهي لن تسلمه حتى بعد عامين، حجم العمل لا يوحي، ولا أعداد الكوادر)، فقامت وزارة العلوان بتشكيل لجنة وحثّت الشركة على على الاستمرار، فقامت الشركة برفع وتيرة العمل لكن ايضاً دون المطلوب”.

 

الضربة الثانية: قرار عبدالمهدي بفترة السماح

يضيف “مع اندلاع تظاهرات تشرين 2019، أصدرت حكومة عبدالمهدي قراراً بمنح مشاريع الشركات الاستثمارية والمقاولات وغيرها فترة سماح ابتداءً من 1 تشرين 2019، ومازالت الفترة سارية، وربما لا تعرف الحكومة الحالية أن بداية حل مشكلة المستشفيات المعطلة هو مراجعة هذا القرار الذي يشمل نحو 6 آلاف مشروع، فالشركة لا تتحمل أي مسؤولية لأنها متوقفة عن العمل بقرار حكومي يسمح لها بالتوقف، وأعتقد أن كوادرها الآن في بلادهم، وربما لا يوجد أحد داخل المشروع الذي يتظاهر أمامه الشبان بين فترة وأخرى.

في الحقيقة لا أدري ماعلاقة تظاهرات تشرين بالمشروع، فالمواد الإنشائية والكوادر كانت داخل المشروع، ولم تشهد المحافظة سلباً أو نهباً أو تهديداً لأي شركة عاملة في مشروع لا على يد المتظاهرين ولا غيرهم، لكن ربما كان هناك توجه سياسي بإلصاق الفشل بالتظاهرات، ويبدو أن المدينة تعرضت لعقوبة بسبب تصدرها للتظاهرات”.

 

 لكن بعد هذا السرد التاريخي للقضية، أين سبب التلكؤ بالتحديد؟ لماذا لا تتم مقاضاة هذه الشركة؟ هل هي محمية سياسياً؟

“وفقاً لكل الاجتماعات والمباحثات أستطيع إيجاز المشكلة بعدة عوامل، نعم، الشركة سيئة، وتتحمل جزءاً من المسؤولية، لأنها لم تكمل أعمالها في سنوات الوفرة والهدوء، لكنها أيضاً بحكم القانون، تطلب سلفاً للعمل ويجب أن تحصل على المبالغ خلال 30 يوماً، وإذا لم يتم صرف المبالغ بعد 90 يوم، يكون من حق الشركة أن تطالب بالتعويض!.

لماذا لا تتم مقاضاتها؟ لا أدري، أنا أستغرب أيضاً، وقمت شخصياً بمتابعة ما إذا كانت الشركة تتعرض للإبتزاز أو التهديد داخل المحافظة، فلم أجد شيئاً، إذا كان المسؤولون يتهمون الشركة بالتلكؤ، فلماذا لم يقم أي وزير صحة بمقاضاتها، من حقبة المالكي إلى العبادي إلى عبدالمهدي وصولاً إلى الحكومة الحالية برئاسة الكاظمي، فالمستشفى التركي 400 سرير هو مشروع إتحادي مرتبط بدائرة مهندس مقيم إتحادية من وزارة الصحة في بغداد، ليس لأي جهة محلية سلطة عليه، مشروع وزارة الصحة من البداية إلى النهاية”.

 

المصدر وكالة “ناس”

iraqkhair

موقع مستقل يهتم بالشأن العراقي والعربي في جميع المجالات الاخبارية والاقتصادية والتقنية والعلمية والرياضية ويقدم للمتابع العربي وجبة كاملة.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
Verified by MonsterInsights